وإن كان الضدّ شرعيّا ، إذ المراد بعد فرضه ضدّا (١). وقد أغرب بعض المحقّقين (٢) فأنكر كونه مقدّمة وقال : إنّه من المقارنات الاتّفاقيّة ، فلو كان ترك الضدّ مقدّمة لفعل ضدّه ، فكون فعل الضدّ مقدّمة لترك ضدّه أولى بالإذعان ، ولمّا كان منشأ توهّم التوقّف هو المقارنة الاتّفاقية ، حصل ذلك الاشتباه في المقامين ، مع أنّه محال.
وغرضه من المقام الثاني هو شبهة الكعبي (٣) الآتية ، فإنّه جعل فعل المباح
__________________
(١) مثلا خياطة الثوب ، وإن لم يكن ضدا لفعل الصلاة شرعا لكونها مشتملة على فعل كثير وهو مناف للإتيان بالصلاة ، والامتثال بها يكون تركها حينئذ ما يتوقف عليه فعل الصلاة عقلا ، لظهور انّ العقل يمنع إرادة الصلاة مع الاشتغال بالخياطة التي تركها من مقدماتها شرعا ، فالتوقف عقلي وإن كان الضد شرعيّا.
(٢) المراد به هو سلطان العلماء في حاشيته على شرح «المختصر» على ما نقله ميرزا حبيب الله الرشتي في «بدائع الأفكار» : ص ٣٧٥ ، وأشار السلطان بذلك في حاشيته على «المعالم» : ص ٩٤ (طبعة كتابفروشي داوري ـ قم) أيضا ، وبمثل نظره الشيخ البهائي في «الزبدة» : ص ٨٢ والكاظمي ، وكذلك الحاجبي الذي هو من قبلهم.
(٣) عبد الله الكعبي البلخي الخراساني (٢٧٣ ـ ٣١٩ ه) أحد أئمة الاعتزال ورأس طائفة منهم تسمى الكعبية. له آراء في علم الكلام انفرد بها وقد اعتاد الأصوليين على ذكر وايراد نظريته المتعلّقة بالمباح وهي نظرية اختلفت عبارات الاصوليين في تصويرها على ثلاثة أوجه : أحدها : انّ كل فعل يوصف بأنّه مباح عند النظر إليه بانفراده يكون واجبا باعتبار انّه ترك به الحرام. ثانيها : انّ المباح مأمور به بناء على انّه حسن ، فيحسن ان يطلبه الطالب لحسنه. ثالثها : انّ المباح من أضداد الحرام ، فيكون مأمورا به بناء على انّ النهي عن الشيء أمر بضده. وغاية ما يرومه الكعبي في نظريّته هذه هي الإفضاء الى اثبات كون المباح غير موجود في الأحكام الشرعية ، بل المباح من قسم الواجب. وقد اثارت هذه النظرية الكعبية مناقشات وردود مختلفة ، وكلّها تتضمّن في محتواها توجيه حكم المباح غير هذا التوجيه الذي أبداه الكعبي وسار عليه.