مقدّمة لترك الحرام (١). يعني أنّه لمّا قارن ترك الحرام لفعل المباح ، فتوهّم أنّ المباح مقدّمة له ، فكما انّ ذلك باطل لأنّه من باب محض الاتّفاق ، فكذا فيما نحن فيه.
وأنت خبير بأنّ الفرق بينهما في كمال الوضوح ، فإنّ ترك الحرام قد يتخلّف عن جميع الأفعال مع وجود الصّارف ، ومع عدم التخلّف فلا يتوقّف عليه غالبا ، بخلاف فعل المأمور به فإنّه لا يمكنه التخلّف أبدا.
وقوله : مع أنّه محال ، الظاهر أنّه أراد منه لزوم الدّور ، وهو أغرب من سابقه (٢) لأنّ المقامين متغايران. وإن أراد أنّ ترك الضدّ كما أنّه مقدّمة لفعل الضدّ الآخر على ما قلت ، ففعل الضدّ الآخر أيضا علّة لترك هذا الضد.
ففيه : أنّ في هذا الكلام اشتباه التوقّف بالاستلزام ، فإنّ ترك أحد الضدّين لا يتوقّف على فعل الضدّ الآخر ، لجواز خلوّ المكلّف عنهما جميعا.
نعم ، فعل الضدّ الآخر يستلزم ترك الآخر ، وأين هذا من التوقّف.
والظاهر ، أنّ منشأ توهّمه النظر إلى أنّ ترك الضدّ يتخلّف غالبا من فعل ضدّه ، فحسب من ذلك انّه لا مدخليّة لترك الضدّ في فعل ضدّه ، وحسب أنّ مقدّمة الشيء
__________________
(١) «المنخول» : ص ١١٦ ، «الإحكام» : ١ / ١٠٧ ، «المنتهى» : ص ٤٠ ، ونسب الغزالي في «المستصفى» هذا القول إلى البلخي.
(٢) لأنّه مغالطة محضة لاختلاف طرفي التوقف ومعه لا يلزم دور أصلا ، فإنّ التوقف الذي فيما نحن فيه هو توقف الصلاة على ترك الأكل مثلا ، والتوقف الذي هو الأولى بالإذعان الذي يلزم منه شبهة الكعبي هو توقف ترك شرب الخمر على فعل مباح كالأكل مثلا فأين الدّور. وهذا معنى قوله : لأنّ المقامين متغايران. وبهذا التقرير يندفع شبهة التكرار بين هذه الفقرة وما بعدها.