وثانيهما : أنّه لا يتمّ ترك الحرام إلّا بإتيان فعل من الأفعال ، وهو واجب ، فذلك الفعل أيضا واجب ، لأنّ ما لا يتمّ الواجب إلّا به ، فهو واجب.
والجواب عن الأوّل : منع ذلك ، فإنّ الممتنع هو اجتماع الضدّين في محلّ واحد لا في المتقارنين في الوجود ، إلّا في العلّة والمعلول عند بعضهم (١).
وامّا الثاني : فأجيب عنه بوجوه :
الاوّل : أنّ هذا لا يختصّ بالمباح فقد يتمّ بالواجب.
وفيه : أنّه لا يرفع الإشكال ، لأنه يقول حينئذ بكونه أحد افراد الواجب المخيّر.
والثاني : منع وجوب المقدّمة.
والتحقيق في الجواب إنّ ذلك ليس بمقدّمة مطلقا ، إذ الصارف يكف في ترك الحرام.
نعم ، لو تحقق فرض لا يمكن التخلّص إلّا بإتيان شيء ، فنقول بوجوبه إن قلنا بوجوب المقدّمة ، وذلك لا يثبت الكليّة المدّعاة خصوصا إن قلنا بأنّ المراد من ترك الحرام هو نفس أن لا يفعل فإنّه يحصل غالبا ولا يحتاج الى شيء أصلا ، بل وقد يكون المكلّف حينئذ خاليا عن كل فعل إن قلنا ببقاء الأكوان (٢) ، وعدم
__________________
(١) ومن قوله : عند بعضهم نشعر بأنّه ليس مختاره ، فإنّ وجوب المعلول عنده مما لا يدلّ على وجوب علّته ، غاية الأمر وجوبها كسائر المقدمات تبعي وهو ليس مما يترتب عليه ثمرة الوجوب الشرعي. هذا ولعلّ مراده من ذلك البعض هو صاحب «المعالم».
راجع ص ١٩٠ وما بعدها فيه.
(٢) قال في الحاشية : إنّ المتكلّمين بعد اتفاقهم على أنّ الجسم لا يمكن خلوّه عن كونين من الأكوان ، اختلفوا في أنّ الأكوان هل هي باقية بعد وجودها أم لا ، بمعنى أنّ السّكون الطويل مثلا الغير المتخلّل بالحركة هل هو سكونات عديدة لا بد أن يوجد السكون في ـ