احتياج الباقي الى المؤثّر ، فكذلك إن قلنا بكونه (١) الكفّ ، إذ كثيرا ما لا يتصوّر فعل الحرام حتى يجب الكفّ عنه فحينئذ لا يكون المباح أحد أفراد الواجب المخيّر أيضا ، اللهمّ إلّا أن يقال بالنظر الى ما حقّقناه سابقا في مقدّمات القانون السّابق من انّ المقدمات قد تكون غير مقدورات ، وانّه قد يقوم غير المقدور مقام
__________________
ـ كل آن من ذلك للزمان الطويل إيجادا بعد إيجاد أم هو سكون واحد يبقى بعد إيجاده أوّلا ولا يحتاج الى الإيجاد ثانيا. وعلى القول بالبقاء هل يحتاج الموجود في البقاء الى مؤثّر ومبق في كل آن من ذلك الزّمان الطويل فيحصل في كل آن تأثير ، أم الموجود بعد إيجاده لا يحتاج الى العلّة المبقية كما لا يحتاج الى العلّة الموجدة ، بل تكون العلّة الموجدة هي المبقية ، وقد علم من ذلك أيضا أنّ الأقوال في الأكوان ثلاثة : أحدها أنّها باقية والباقي في بقائه لا يحتاج الى المؤثر. وثانيها : انّها باقية ولكن الباقي في البقاء يحتاج الى المؤثّر. وثالثها : أنّها غير باقية ، بلّ يتجدّد آناً فآنا.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّه على القول الأوّل يمكن خلوّ الجسم عن كلّ فعل بناء على أنّ الفعل هو التأثير ، فعلى هذا لا يكون السّكون فعلا فينحصر الباعث على ترك الحرام حينئذ في الصارف ، فلا يتم قول الكعبي حينئذ. وأما على القولين الأخيرين فلا يخلو الجسم عن الفعل في كل آن من الآنات ، بلّ هو في كل آن إمّا موجد للشيء كما على القول الأخير أو مبق له ، وإبقاء الكون أيضا فعل كما على القول الوسط ، فيكون الفعل على القولين مقدمة للحرام ، فيتمّ قول الكعبي حينئذ. ثم أعلم انّ المشهور من الأكوان هو الأربعة أعني الاجتماع والافتراق والحركة والسّكون ، والتخصيص بهذه الأربعة إمّا من جهة إرجاع البواقي من العلم والجهل والنوم واليقظة وغيرها الى هذه الأربعة ولو بتكلّف أو من جهة اشتهارها.
(١) يعني كما قلنا انّ المباح لا يكون مقدمة لترك الحرام في الصورة السّابقة ، وهي جعل الترك بمعنى نفس لا يفعل ، كذلك لو جعلناه بمعنى الكفّ الذي يعتبر فيه التفطن ، إذ كثيرا ما لا يتصوّر فعل الحرام ، فلا يكون الكفّ عنه واجبا ، فلا يكون المباح مقدمة له لعدم وجود ذي المقدمة وهو الكفّ عن الحرام ، هذا كما في الحاشية.