الكلام في بيان مقامين :
الاوّل : الأقوى أنّ الامر بالشيء يقتضي النّهي عن ترك المأمور به التزاما لا تضمّنا كما توهّم بعضهم (١) ، إذ المنع من الترك ليس جزء مفهوم الأمر ، فإنّ معنى افعل هو الطّلب الحتمي الجازم ، ويلزمه إذا صدر عن الشّارع ترتب العقاب على تركه والممنوعيّة عنه ، فالمنع عن التّرك لو سلّم كونه جزء معنى الوجوب لا يلزم منه كون جزء معنى افعل كما توهم.
وبتذكّر ما أسلفنا في مباحث دلالة الصّيغة على الوجوب تتبصّر هنا ، فالصيغة تدلّ عليه التزاما بيّنا بالمعنى الأعمّ. والقول بالعدم منقول عن السيّد رحمهالله وبعض العامّة محتجا : بأنّ الآمر قد يكون غافلا فلا يتحقّق النّهي.
وفيه : أنّ الغفلة مطلقا حتى إجمالا ممنوع وهو يكفي ، ولذلك قلنا بكون اللّزوم بيّنا بالمعنى الأعم مع أنّ القصد غير معتبر في الدّلالة كما في دلالة الإشارة ، ولكن ذلك خارج عن محل النزاع. وكما أنّ القول بالعينيّة في الضدّ الخاصّ إفراط فهذا القول تفريط ، ولا ثمرة في هذا النزاع (٢).
الثاني : الحق عدم دلالة الأمر بالشّيء على النّهي عن الضدّ الخاص ، والمثبتون بين من يظهر منه الالتزامية اللّفظية ، ومن يظهر منه الالتزامية العقليّة.
لنا : أنّه لا دلالة لقولنا : أزل النجاسة عن المسجد ، على قولنا : لا تصلّ ، ونحوه بإحدى من الدّلالات الثلاث.
__________________
(١) كما توهّم بعضهم باقتضائه تضمنا كصاحب «المعالم» فيه ص ١٧٤.
(٢) يعني كون الأمر بالشيء مستلزما للنهي عن ضده العام بمعنى الترك مما لا يثمر في شيء من الأحكام أصلا ، إذ لا يقتضي سوى وجوب الواجب النفسي الذي هو أصل مفاد الكلام ، ولا يثبت منه حكم شيء آخر كما هو محلّ نزاع الأصوليين كما لا يخفى.