والعرف واللّغة ، ولكنّه يدّعي ذلك بثبوت القرينة على خلافه من جهة العقل. فقد تراهم لا ينكرون ذلك في شيء من الموارد ، مثل أنّهم يقولون في مبحث إفادة الأمر للمرّة أو التكرار أو الفور وعدمه ، وغير ذلك (١) ، أنّ الأمر لا يقتضي إلّا طلب الماهيّة (٢). فلعلّ مرادهم أنّ حقيقة (٣) اللفظ وإن كان يقتضي ذلك ، إلّا أنّ العقل يحكم بأنّ المراد هنا هو الفرد ، لأنّ مطلوب الشّارع هو ما أمكن وجوده ، وما لا يمكن وجوده يستحيل طلبه من الشّارع للزوم التكليف بالمحال ، والماهيّة ممّا لا وجود له في الأعيان ، فثبت أنّ المطلوب هو الفرد.
وجوابه : أنّ المستحيل وجوده في الخارج هو الطبيعة بشرط أن لا يكون مع قيد وتشخّص. وأمّا هي لا بشرط شيء ، فيمكن وجودها بإيجاد الفرد ، والممكن بالواسطة ممكن ، فيجوز التكليف به ، فيكون الفرد من مقدّمات حصولها ؛ فيجب من باب المقدّمة ، وذلك لا يستلزم نفي مطلوبيّة الطبيعة.
فإن قلت : النزاع في هذا الأصل متفرّع على النزاع في وجود الكلّيّ الطبيعيّ وعدمه ، وما ذكرته إنّما يتمّ على تقدير تسليم وجوده ، ولعلّ الخصم لا يسلّم ذلك.
قلت : أوّلا : إنّ ما حقّقه المحقّقون (٤) هو وجوده ، وإنّ وجوده عين وجود الأفراد وبيّنوه في محلّه.
__________________
(١) كبحث القضاء بالفرض الجديد وبحث مقدمة الواجب.
(٢) «المعالم» : ص ١٤١.
(٣) أي من جهة اللّغة والعرف.
(٤) من الأصوليين كالعلّامة والشيخ البهائي ، ومن المتكلّمين وأهل الميزان كأصحاب «التجريد» و «المطالع» و «الشمسية» و «شرح المقاصد» ، بل ربما يظهر منه الاتفاق عليه ، و «الشوارق» وصريح الشيخ في «الشفاء».