ونحن نقول : بأنّ وجوب المقدّمة يقتضي الرّخصة في إتيان أيّها شاء ، تبعا للخطاب بالكلّي.
وأيضا الأفراد (١) في الواجبات التخييريّة لا بدّ أن تكون منظورة بالذّات ومفصّلة ، والمطلوب هنا التخيير في إتيان هذه الطبيعة في ضمن أيّ فرد من الأفراد شاء ، فالتخيير بينهما ليس من حيث إنّها أشياء متأصّلة بذاتها ، بل من حيث إنّها مصاديق لهذا المفهوم ، فيئول الكلام في وجوبها إلى تحصيل الامتثال بإيجاد المفهوم وتحصيله في الخارج ولو في نظر أهل العرف ، وممّا يلزمهم ، كون أكثر خطابات الشّرع مجازا.
فإن قلت : على ما ذكرت من كفاية مطلق اتّحاد الكلّيّ مع الفرد ، فيصحّ إطلاق الكلّي وإرادة الفرد حقيقة ، وإن كان الاتّحاد غير واقع في نفس الأمر ، فلا مجاز.
قلت : فرق بيّن بين قولنا : ايتيني برجل ، و : آتاني رجل ، و : سلّم أمري إلى الرّجل لا إلى المرأة ، والمسلّم في كون الكلّي حقيقة في الفرد هو الصّورة الأولى ، وفي الثانية إشكال (٢). فإنّ المراد منه (٣) شخص خاصّ ، وإنّما علّق الحكم على المطلق أوّلا ليسري الى الفرد ، والمطويّ في ضمير المتكلّم إنّما هو الرّجل الخاص مثل قوله تعالى : (وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ)(٤) فلم يعلّق الحكم أوّلا على الفرد الخاصّ (٥) ، ولم يقصد من اللّفظ دلالته على الخصوصيّة ، وبذلك يمكن
__________________
(١) وهنا وجه ثالث لبيان الفرق بين ما نحن فيه والواجب المخيّر.
(٢) ووجه الاشكال يبدو لكونها محتملة الحقيقة والمجاز.
(٣) بيان لاحتمال المجاز.
(٤) القصص : ٢٠.
(٥) بيان لاحتمال الحقيقة.