من جملة من يرتكب هذا الشأن ويؤسّس هذا البنيان ، وليس في مضمار الاستباق (١) إلّا كراكب القصب (٢) أو كراجل التفّت ساقه بالسّاق (٣) ، فهو من فضل الله ، مشتمل على ما لم يشتمل عليه زبر (٤) السّابقين ، ومخرج لجواهره ما اختفى من الحقائق في كنوز كلمات الفائقين ، فإن وجدتها بعد استيفاء الفكر واستقصاء النظر حقيقا بالقبول ، فلله الحمد على ذلك ، وإلّا فالملتمس منك الإصلاح ما استطعت ، وما توفيقي إلّا بالله عليه توكّلت وإليه أنيب.
أمّا المقدّمة (٥) :
__________________
ـ الذرع والذراع قصرها ، كما أنّ معنى سعتها وبسطها طولها. ووجه التمثيل انّ القصير الذراع لا ينال ما يناله الطويل الذراع ولا يطيق طاقته ، فضرب به المثل للذي سقطت قوّته دون بلوغ الأمر والاقتدار عليه.
(١) في مضمار الاستباق أي في ميدان المراهنة على قطع المسافة ، فشبّه معرض التعهد لطيّ المطالب العلمية بميدان الاستباق ، ثم ذكر الرّاكب والرّاجل وهذا كلّه استعارة تحقيقية.
(٢) والقصب هو نبات مائي يبلغ طول أحد أكبر أنواعه حوالي أربعة أمتار منتشر على ضفاف المستنقعات والغدران. ويقال : أحرز قصب السّبق أي كان الغالب. وأصله انّهم كانوا ينصبون في حلبة السّباق قصبة فمن سبق اقتلعها وأخذها ليعرف أنه السّابق.
(٣) والسّاق هي ما بين الكعب والركبة في الرجل ، وفي قوله تعالى : (الْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ،) قيل فيه التفت الدّنيا بالآخرة ، وهو مروي عن أبي جعفر عليهالسلام.
(٤) الزّبر : الكتاب والجمع زبور ومنه قراء بعضهم : (وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً). والزّبور الكتاب المزبور ، والجمع زبر ك : رسول ورسل.
(٥) المقدّمة : بكسر الدّال المشدّدة وفتحها تطلق لغة على معان كثيرة ، منها : الناصية والجبهة ، وما استقبلك من الجبهة والجبين وما تقدم في الجيش ، وما تقدم في الكتاب ـ