وأمّا على الاستدلال بالتبادر ، فلا بدّ من التأمّل ، فإن تبادر مع تقييد التروك المفروضة بحسب الأوقات بعضها ببعض ، فلا يحصل الامتثال إلّا بالدّوام وإلّا فيحصل الامتثال بفعل البعض ، وترتّب العقاب على ترك الآخر.
والحقّ على ما اخترناه (١) ، حصول الامتثال بالترك في الجملة ، إلّا ما أخرجه الدّليل ، كترك الأكل في الصوم ، وليس ذلك لدلالة النهي ، بخلاف قوله تعالى : (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى)(٢) ، فإنّ الامتثال يحصل بتركه في شهر أو عام أو أقلّ أو أكثر.
ثمّ إنّ ما ذكرنا من حصول الامتثال بترك الطبيعة في الجملة إنّما هو بالنسبة إلى الزّمان والأفراد المتعاقبة بحسب تماديه ، وأمّا الأفراد المتمايزة بسائر المشخّصات ، فكلا. فمن ترك الزّنا بامرأة معيّنة وارتكب الزّنا مع الاخرى ، فلا يحصل له الامتثال حينئذ لأجل ذلك الترك ، فإنّ الطبيعة لم تترك حينئذ مع أنّ الامتثال بالترك الآخر حينئذ ممنوع لعدم المقدوريّة ، لأنّ المقدور ما يتساوى طرفاه ، فكما لا يمكن تحصيل زناءين في آن واحد ، لا يمكن ترك أحدهما في آن ارتكاب الآخر.
وبالجملة ، فلا بدّ من ترك الطبيعة رأسا في آن من الأوان ليتحقّق الامتثال ، ولا يحصل إلّا بترك جميع الأفراد.
__________________
(١) من القول بالاشتراك المعنوي ، القول بأنّ النهي حقيقة في طلب ترك الماهيّة لا بشرط شيء.
(٢) الإسراء : ٣٢.