قد بيّنا لك في مسألة تعلّق الأمر بالكلّي المناص عن ذلك على القول بعدمه أيضا.
فان قلت : القدر المشترك الانتزاعي من الأفراد التي من جملتها المحرّم ، كيف يجوز طلبه ، وكيف يمتاز عن الحرام ويتخلّص عنه؟
قلت : إنّ ماهيّة الصلاة المنتزعة من الأفراد ، هي منتزعة عنها باعتبار أنّها أفراد للصلاة لا باعتبار أنّها غصب ، والمنتزع عنها من هذا الاعتبار هو ماهيّة الغصب.
الثاني : أنّه لو لم يجز ذلك ، لما وقع في الشرع وقد وقع كثيرا ، منها العبادات المكروهة ، فإنّ الاستحالة المتصوّرة إنّما هي من جهة اجتماع الضدّين ، والأحكام الخمسة كلّها متضادّة بالبديهة ، فلو لم يكن تعدّد الجهة في الواحد الشخصي مجديا ، للزم القبح والمحال ، وهو محال على الشّارع الحكيم ، مع أنّ هذا يدلّ على المطلوب بطريق أولى ، إذ النهي في المكروهات تعلّق بالعبادات دون ما نحن فيه. وبعبارة اخرى : المنهيّ عنه بالنّهي التنزيهيّ أخصّ من المأمور به مطلقا ، بخلاف ما نحن فيه ، فإنّ النسبة بينهما فيما نحن فيه ، عموم من وجه.
ومن كلّ ذلك ظهر ، أنّ العقل لا يدلّ على امتناع الاجتماع في المنهيّ عنه تحريما أيضا ، لو كان أخصّ من المأمور به مطلقا أيضا ، وإن أمكن إثباته من جهة فهم العرف كما سنحقّقه إن شاء الله تعالى. ولذلك أفرد الاصوليّون الكلام في المسألتين ، وما نحن فيه أشبه بالمقاصد الكلامية ، وإن كان لإدراجه (١) في المسائل الاصولية أيضا وجه ، ولكنّ المسألة الآتية (٢) أنسب بالمسائل الاصولية لابتنائه على
__________________
(١) الإدراج هو ترتب الفروع الكثيرة من المسائل الفقهيّة على ما نحن فيه.
(٢) المسألة الآتية أي ما كان المنهيّ عنه أخصّ مطلقا من المأمور به نحو : صلّ ولا تصلّ في الدّار الغصبي.