دلالة الألفاظ ، وإن كانت راجعة الى الاصول الكلامية أيضا على بعض الوجوه (١).
فلنرجع الى تحرير الدّليل ونقول : معنى قول الشارع : لا تصلّ في الحمّام ، و : لا تتطوّع وقت طلوع الشمس ، انّ ترك هذه الصلاة أرجح من فعلها ، كما هو معنى المكروه ، مع أنّها واجبة أو مستحبّة. ومعنى الوجوب والاستحباب هو رجحان الفعل إمّا مع المنع من الترك ، أو عدمه ، ورجحان الترك ورجحان الفعل متضادّان لا يجوز اجتماعهما في محلّ واحد.
وقد أجيب عن ذلك (٢) بوجوه :
الأوّل : أنّ المناهي التنزيهيّة راجعة الى شيء خارج من العبادة بخلاف التحريمية بحكم الاستقراء. فالنّهي عن الصلاة في الحمّام إنّما هو عن التعرّض للرشاش ، وفي معاطن (٣) الإبل عن إنفار البعير ، وفي البطائح (٤) عن تعرّض السّيل ، ونحو ذلك ، فلم يجتمع الكراهة والوجوب.
وفيه أوّلا : منع هذا الاستقراء وحجّيته.
وثانيا : أنّ معنى كراهة تعرّض الرّشاش ، أنّ الكون في معرض الرّشاش مكروه ، وهذا الكون هو بعينه الكون الحاصل في الصّلاة ، فلا مناص عن اجتماع الكونين
__________________
(١) وبعض الوجوه كالنزاع في دلالة العقل على امتناع الاجتماع في تلك المسألة وعدمه.
(٢) قد أتى صاحب «المدارك» الى هذه المسألة في مبحث كراهة الوضوء بالماء المشمّس على سبيل الاجمال فيه ١ / ١١٧. وقوله : عن ذلك أي عن العبادات المكروهة.
(٣) مفردها المعطن والمعطن وهي مبرك الإبل ومربض الغنم حول الماء.
(٤) مفردها البطيحة وهو مسيل واسع فيه رمل ودقاق الحصى.