قلت : مع أنّ هذا تعسّف بحت لا يجدي بالنسبة إلى نفس الأمر (١).
فنقول : مع قطع النظر عن دلالة هذا النّهي عن طلب الترك ، فهل هذا الفعل في نفس الأمر مطلوب الفعل ، أو مطلوب الترك ، أو مجتمعهما ، الى آخر ما ذكرنا ، على أنّا نقول : ترك الفرد لكونه أقلّ ثوابا واختيار ما هو أعلى منه إنّما يصحّ فيما له بدل من العبادات ، وأمّا فيما لا بدل له كالتطوّع في الأوقات المكروهة على القول بها ، والتطوّع بالصيام في السّفر أو الأيام المكروهة ، فلا يصحّ ما ذكرت بوجه ، لأنّ كلّ آن يسع لصلاة ركعتين يستحبّ فيه ركعتان ، وكذلك كلّ يوم من الأيام يستحبّ فيه الصيام.
وما يقال (٢) : إنّ الأحكام واردة على طبق المعتاد وعادة أغلب الناس ، بل كاد أن يكون كلّهم ، عدم استغراق أوقاتهم بالنوافل.
فإن كان المراد منه أنّه لم يكلّف في هذا الوقت الذي يصلّي فيه بدلا عن الصلاة المكروهة بنافلة ، وهذا الذي يوقعها فيه هو الصلاة التي كانت وظيفة الوقت المرجوح ، فهذا ليس بأولى من أن يقال : إنّ هذا هو الصلاة التي هي وظيفة هذا الوقت ، ولم يكلّف في الوقت المكروه بصلاة.
وإن كان المراد أنّه لمّا علم الشّارع أنّه لا يستغرق أوقاته بالنوافل فقال له : لا تصلّ وظيفة هذا الوقت المكروه وصلّ وظيفة الوقت الآخر ، فهذا اعتراف منك
__________________
(١) وهذا وما بعده من القول قد أتى على ذكره والجواب عليه في «الفصول» : ص ١٣١.
(٢) قيل : إنّ هذا التوجيه من الوحيد البهبهاني ، وهو في مقام توجيه كلام المجيب لدفع الايراد المذكور بقوله : إلّا ما لا بدل له ... الى قوله : فلا يصح ما ذكرت بوجه. هذا كما ذكر في الحاشية ، وقد أجاب عنه في «الفصول» : ص ١٣١ بعد أن نسبه إلى بعض المعاصرين.