قلت : إنّ القدر المسلّم في اشتراط الرّجحان إنّما هو في أصل العبادات وماهيّتها ، وأمّا لزوم ذلك في جميع الخصوصيّات ، فلم يثبت.
وأمّا قصد التقرّب ، فهو أيضا يمكن بالنسبة الى أصل العبادة وإن كان لم يحصل القرب لعدم استلزام قصد التقرّب حصول القرب ، وإلّا فلا يصحّ أكثر عباداتنا التي لا ثواب فيها أصلا لو لم نقل بأنّ فيها عقابا من جهة عدم حضور القلب ووقوع الحزازات (١) الغير المبطلة على ظاهر الشرع فيها ، مع أنّ قصد التقرّب لا ينحصر معناه في طلب القرب والزّلفى والوصول الى الرّحمة ، فإنّ من معانيه موافقة أمر الآمر ، فهذه العبادة من حيث إنّها موافقة لأمر الآمر يمكن قصد التقرّب بها وإن لم يحصل القرب بها من جهة مزاحمة منقصة الخصوصية ، ألا ترى أنّ الإمام موسى بن جعفر عليهما الصلاة والسّلام كان يترك النّوافل إذا اهتمّ أو اغتمّ (٢) كما ورد في الرّوايات (٣) ، وأفتى بمضمونه في «الذكرى» (٤) ، فترك التكلّم والمخاطبة مع الله سبحانه متكاسلا ومتشاغلا أولى من فعله ، ولذلك ارتكبه الإمام عليهالسلام ، ولو كان مع ذلك فيه رجحان ، لكان تركه بعيدا عن مثله ، سيّما متكرّرا وسيّما في مثل الرّواتب المتأكّدة غاية التأكيد المتمّمة للفرائض ، ومع ذلك فلا ريب في صحّتها لو فعل بهذه الحالة ، وجواز قصد التقرّب بها.
__________________
(١) جمع الحزازة وهي لغة الوجع في القلب من غيظ ونحوه ، ويبدو أنّ المراد به هنا الخيالات الجارية في القلب.
(٢) قيل انّ الغمّ هو الحزن لما مضى ، والهم هو الحزن لما سيأتي وقيل هما بمعنى واحد ، وقيل هما كالفقير والمسكين إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا.
(٣) ويمكن الردّ بأنّه يمكن انّه كان يشتغل بما هو أهم من ذلك المندوب.
(٤) فقال فيه ٢ / ٣١٣ : قد تترك النافلة لعذر ، منه : الهم والغم.