وأمّا الفرائض ، فعدم جواز تركها مع ذلك فإنّما هو لحماية الحمى ، ولئلّا يفتح سبيل تسويل النّفس ومكيدة الشيطان فيما هو بمنزلة العمود لفسطاط (١) الدّين ، فإنّ أكثر أحكام الشّرع من هذا الباب ، كتشريع العدّة مطلقا ، وإن كان العلّة فيها عدم اختلاط الأنساب. فلعلّ صورة العبادة تكفي في صحّة قصد التقرّب ما لم يثبت له مبطل من الخارج ، وإن لم يكن ممّا يحصل له ثواب في الخارج ، فحينئذ فإن ورد في أمثال هذه العبادات المكروهة معارض ، فلا بدّ من طرحها كما ورد في بعض الأخبار الضّعيفة أنّ الإمام عليهالسلام صام في السّفر في شعبان ، مع أنّه ليس بصريح في كونه مندوبا ، بل ربّما كان منذورا بقيد السّفر أو غير ذلك من الاحتمالات ، فأمّا لا بدّ من نفي الكراهة فيما لا بدل له ، أو من القول برجحان تركه مطلقا. والأظهر في صوم السّفر الكراهة ، وفي التطوّع في الأوقات المكروهة العدم ، ففيما يثبت الكراهة ، فالكلام فيه ما مرّ ، وفيما لم يثبت ، فلا إشكال.
الثالث (٢) : أنّ المراد بكراهة العبادات مرجوحيّتها بالنسبة الى غيرها من الأفراد ، وسمّاه بعضهم بخلاف الأولى (٣) ، فرجحانها ذاتيّة والمرجوحيّة إضافيّة ولا منافاة بينهما كالقصر في المواطن الأربعة ، فهو مرجوح بالنّسبة الى التمام مع كونه أحد فردي الواجب المخيّر.
وكما أنّه يجتمع الوجوب النفسي مع الاستحباب للغير كاستحباب غسل الجنابة
__________________
(١) الفسطاط اسم للخيمة ، وفي «مجمع البحرين» هو البيت من الشّعر فوق الخباء.
(٢) وهذا هو الجواب الثالث وقد نسب الى المحقق البهبهاني. راجع «فوائده» : ص ١٧٠.
(٣) الأولى عبارة عن الشيء الذي إتيانه يوجب القرب والزّلفى وزيادة الدّرجة ولا يوجب تركه المنقصة في الدّين ، ولذا قيل أو قالوا بأنّ المعصوم يرتكب خلاف الأولى.