فالظاهر أنّ مراده من الأصل العموم أو مطلق القاعدة (١) ، وإن كان مراده غير ذلك فهو سهو ، إلّا أن يراد به أصالة جواز إعطاء ماله بغيره وأخذ مال غيره مثلا لأنّ الناس مسلّطون على أموالهم (٢) ، ولكنّ ذلك لا يفيد الصحة الشرعية بمعنى اللّزوم وترتّب الآثار.
وما يقال : إنّ الأصل في معاملات المسلمين الصحة (٣) فهو معنى آخر.
والمراد به إنّ ما تحقّق صحيحه عن فاسده في نفس الأمر ولم يعلم أنّ ما حصل في الخارج هل هو من الصحيح أو الفاسد ، فيحمل على الصحيح إذا صدر من مسلم ، لا بمعنى أنّ صحة أصل المعاملة تثبت بمجرّد فعل المسلم. فالمذبوح المحتمل كونه على الوجه المحرّم والمحلّل ، يحمل على المحلّل إذا صدر عن مسلم ، لا أنّ الأصل في الذّبح أن يكون صحيحا ، بل الأصل عدم التذكية والحرمة حتّى تثبت التذكية الصحيحة ، وصدوره عن المسلم قائم مقام ثبوت التذكية الصحيحة في نفس الأمر ، وهذا الأصل إجماعي مدلول عليه بالأدلّة المتينة القويمة ، مصرّح به في الأخبار الكثيرة.
الثالثة :
محلّ النزاع في هذا الأصل ، ما تعلّق النهي بشيء بعد ما ورد عن الشارع له جهة صحة ثمّ ورد النّهي عن بعض أفراده أو خوطب به عامّة المكلّفين ثمّ استثنى عنه
__________________
(١) أي القاعدة المستنبطة من العقل أو النقل كما قالوا إنّ قاعدة ولاية الحاكم على الصغير تقتضي جواز نكاحه وطلاقه للحاكم.
(٢) «البحار» : ٢ / ٢٧٢ باب ٣٣ من أبواب العلم ح ٧.
(٣) وهذا دفع على قوله : الأصل من العبادات والمعاملات هو الفساد.