احتجّوا أيضا : بأنّه لو لم يفسد ، لزم من نفيه حكمة يدلّ عليها النّهي ، ومن ثبوته حكمة يدلّ عليها الصحّة ، واللّازم باطل لأنّ الحكمتين إن كانتا متساويتين تعارضتا وتساقطتا ، وكان الفعل وعدمه متساويين فيمتنع النّهي عنه لخلوّه عن الحكمة ، وإن كانت حكمة النّهي مرجوحة فهو أولى بالامتناع ، لأنّه مفوّت للزائد من مصلحة الصحّة ، وهو مصلحة خالصة إذ لا معارض لها من جانب الفساد كما هو المفروض ، وإن كانت راجحة ، فالصحّة ممتنعة لخلوّها عن المصلحة ، بل لفوات قدر الرّجحان من مصلحة النّهي ، وهو مصلحة خالصة لا يعارضها شيء من مصلحة الصحّة.
وجوابه : أنّ كون مصلحة أصل النّهي راجحة لا يقتضي مرجوحيّة ترتّب الأثر بالنسبة الى عدمه ، فترك الفعل أوّلا راجح على فعله ، أمّا لو فعل وعصى ، فترتّب الأثر عليه راجح على عدمه ، ولا منافاة بينهما أصلا ، إذ رجحان النّهي إنّما هو على الفعل ، ورجحان الترتّب إنّما هو على عدم الترتّب ، وهاتان المصلحتان (١) ثابتتان للنهي ، وترتّب الأثر بالذّات لا انّه يعرض مصلحة الترتّب بعد اختيار الفعل كما توهّم المدقّق الشيرازي.
وقد يستدلّ (٢) : بما ورد في بعض الأخبار (٣) ، من صحّة عقد المملوك إذا كان بغير إذن مولاه ثمّ رضي به ، معلّلا بأنّه لم يعص الله تعالى ، بل عصى سيّده ، فإنّه يدلّ على أنّه إذا كان فيه معصية بالنسبة إليه تعالى وكان منهيّا عنه ، فيكون فاسدا.
__________________
(١) أي مصلحة رجحان الترك على الفعل ورجحان ترتّب الأثر على عدمه.
(٢) القائل بالدلالة مطلقا شرعا فقط.
(٣) وهو ما رواه زرارة في الحسن قال : سألت أبا جعفر عليهالسلام عن رجل تزوّج عبده امرأة بغير إذنه فدخل بها ... إلخ. من لا يحضره الفقيه ـ باب المملوك يتزوّج بغير إذن سيده الحديث الأوّل.