نعم إنّما يصحّ فيما كان من قبيل العبادات كالوضوء.
وممّا ذكرنا في مسألة اجتماع الأمر والنهي يظهر أنّ هذا الإشكال يجري في المنهيّ عنه لجزئه أيضا في الجملة ، فراجع وتأمّل.
الثالث :
أفرط أبو حنيفة وصاحباه (١) فقالا : بدلالة النّهي على الصحة ، وهو في غاية الظهور من البطلان ، لأنّ النّهي حقيقة في التحريم ، وليس ذلك عين الصّحة ولا مستلزما لها بوجه من الوجوه. والظاهر أنّهم أيضا لم يريدوا أنّ النهي يدلّ على الصحّة ، بل مرادهم أنّ النهي يستلزم إطلاق الإسم.
فقول الشارع : لا تصم يوم النّحر ، وللحائض : تصلّي ، يستلزم إطلاق الصوم على ذلك الصوم ، وكذلك الصلاة. والأصل في الإطلاق الحقيقة ، وذلك مبنيّ على كون العبادات وما في معناها من المعاملات التي ثبت لها حدود وشرائط من الشارع أسامي للصحيحة منها ، فلو لم يكن مورد النّهي صحيحا لم يصدق تعلّق النّهي على أمر شرعي ، فيكون المنهيّ عنه مثل الإمساك والدعاء ونحو ذلك ، وهو باطل ، إذ نحن نجزم بأنّ المنهيّ عنه أمر شرعي.
وفيه : أوّلا منع كونها أسامي للصحيحة.
سلّمنا ، لكن المنهيّ عنه ليس الصلاة المقيّدة بكونها صلاة الحائض مثلا ، بل
__________________
(١) أراد بهما تلميذيه أبا يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني ، ومعنى إفراطهم أي رغم أنّهم من القائلين بعدم دلالة النهي على الفساد فإنّهم تعدوا حتى أفرطوا فقالوا بدلالته على الصحة.