نفي الحكم عند انتفائه ، وأنت خبير بأنّ الاحتمال لا يضرّ بالاستدلال بالظواهر ، وإلّا لانسدّ باب الاستدلال في الآيات والأخبار.
فنقول : فيما لم يثبت شرط آخر ولم يعلم تحقّق سبب آخر ، الأصل عدمه.
لا يقال : هذا ينافي ما ذكرت سابقا ، أنّ معنى حجّيّة المفهوم هو كون ذلك المعنى مدلولا للّفظ في محلّ السكوت ، وهذا ليس من قبيل دلالة اللّفظ ، اذ لا يتمّ ذلك إلّا بانضمام أصالة عدم تعدّد السّبب.
لأنّا نقول : التبادر يقتضي انحصار المدلول ، ويفيد تعيّن السببيّة في الظّاهر ، وذلك الاحتمال هو احتمال التجوّز في الكلام الذي يجري في جميع الألفاظ المستعملة في معانيها الحقيقية ، ولا يعتنى به أبدا ، وإلّا لما كان للتمسّك بأصل الحقيقة معنى ، وهو خلاف الإجماع ، وإن ثبت من دليل آخر وجود سبب آخر كالمثال المذكور ، فحينئذ نقول : الشرط أو السبب أحد المذكورات (١) كما أنّ الظّاهر من الأمر الوجوب العيني ، فإذا ورد أمران متضادّان في محلّ واحد ، نحملهما على التخيير ، وذلك لا يوجب خروج صيغة الأمر عن كونها حقيقة في العيني.
واحتجّوا أيضا : بقوله تعالى : (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً)(٢) ، فإنّه لا يجوز الإكراه مطلقا ، فلا يصحّ التعليق لو أريد به انتفاء الحكم عند انتفاء الشرط.
__________________
(١) أي حين ان ثبت من دليل آخر وجود سبب آخر فالشرط والسبب هو أحد المذكورات ، فحينئذ كما انّ تحقق المسبب أو المشروط يتوقف على وجود أحد الشروط أو الأسباب ، فكذا انتفاؤه يتوقف على انتفاء جميعها ، لأنّ مفهوم أحدها لا يعدم إلا بعدم الجميع ، هذا كما في الحاشية.
(٢) النور : ٣٣.