أيضا ، لأنّ المدّعي للحجّيّة يقول بأنّ هاهنا حكمين من الشّارع ، فلا يحتاج الى الاجتهاد في طلب حكم المعلوفة ، كما انّ المنكر يحتاج ، وكونه موافقا للأصل لا يكفي إلّا بعد استفراغ الوسع في تحصيل الظنّ بعدم الدّليل ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى في محلّه.
وأيضا الأصل لا يعارض الدّليل ، ولكنّ الدّليلين يتعارضان ، ويحتاج المقام الى الترجيح ، فإذا اتّفق ورود دليل آخر على خلاف المفهوم ، فيعمل عليه من دون تأمّل على القول بعدم الحجّيّة ، ويقع التعارض بينه وبين المفهوم على القول بالحجّيّة.
وربّما يترجّح المفهوم على المناطيق (١) إذا كان أقوى ، فضلا عن منطوق واحد. وما جعله منشأ للغفلة ، هو غفلة عن المتوهّم ، إذ كلماتهم مشحونة بالحكم في المخالف للأصل والموافق ، والأمثلة واردة على القسمين كما لا يخفى على المتتبّع.
الثالثة : مقتضى المفهوم المخالف أنّما هو رفع الحكم الثابت للمذكور على الطريقة الثابتة للمذكور ، وقد وقع هنا توهّمان :
أحدهما (٢) : ما أشرنا سابقا إليه من أنّ مفهوم قولنا : أعط زيدا ان أكرمك ، لا تعطه إن لم يكرمك ، وهو باطل ، لأنّ رفع الإيجاب هو عدم الوجوب ، وهو أعمّ من الحرمة التي هي مقتضى النّهي.
نعم إذا كان الحكم الموافق هو الجواز بالمعنى الأعمّ ، يكون مفهومه الحرمة ،
__________________
(١) المتعدّدة.
(٢) ولعلّه صدر من صاحب «المعالم» : ص ٢١٣ في مقام الاحتجاج على مفهوم الشرط.
وقيل : لصاحب «المطوّل» أيضا.