المفهوم نقيضا منطقيّا للمنطوق ، وإن كان صدور مثل ذلك في غاية البعد من مثلهم ، بل ممّن دونهم بمراتب ، لاختلاف الموضوع ، ولذلك يتصادقان أيضا (١).
والظّاهر أنّ مراد من أطلق النقيض على المفهوم كفخر الدّين الرّازي ، إنّما هو أنّ المفهوم رافع لحكم المنطوق ، فإنّ نقيض كلّ شيء رفعه.
والمراد رفع ذلك الحكم عن غير الموضوع.
والحقّ هو ما فهمه الشيخ وصاحب «المعالم». فإنّ الحكم المخالف في جانب المفهوم إنّما يستفاد من جهة القيد في المنطوق ، فكلّ قدر يثبت فيه القيد (٢) وتعلّق به من أفراد الموضوع فيفهم انتفاء الحكم بالنسبة الى ذلك القدر ، وإلّا لبقي التعليق بالنسبة إليه بلا فائدة.
وما يقال : من أنّ الفائدة تحصل في الجملة ، بثبوت المخالفة في الجملة ، فهو بمعزل عن التحقيق ، إذ يبقى التصريح بتعلّقه بالجميع بلا فائدة.
فمفهوم قولنا : كلّ غنم سائمة فيه الزّكاة ، لا شيء من المعلوفة كذلك. فإنّ وجوب الزّكاة معلّق على سوم كلّ غنم ، فيرتفع بمعلوفيّة كلّ غنم.
وما قيل : أنّ ذلك (٣) لعلّه لعدم وجود أمر مشهور مشترك بين أفراد المنطوق وبعض أفراد المسكوت عنه ، يعني أنّ جميع أفراد ما يؤكل لحمه مثلا يجوز الشرب والتوضّؤ من سؤره فنطق به في الكلام ، وإنّما لم يشرك بعض الأفراد الغير المأكول أيضا مع كونه شريكا للمنطوق ، لأجل عدم لفظ مشهور جامع لهما ، فيبقى
__________________
(١) أي يصدق كلّ منهما مع صدق الآخر وليس ذلك إلّا لتعدّد موضوعيهما كما يكشف عنه اعتبار كونه في المنطوق مذكورا وفي المفهوم غير مذكور.
(٢) وهو السّوم هنا.
(٣) اي التعليق.