وإن أردت من ذلك مثل أن يقول : سر الى البصرة ومنها الى الكوفة ومنها الى بغداد.
ففيه : أنّ أمثال ذلك يقال في العرف لتحديد المنازل أو لإعلام المعالم (١) فيتجدّد [فيتحدد] المسافة من كلّ علم ومنزل فلكلّ مسافة مبدأ ونهاية يلاحظان بالنسبة إليها ويعتبران بخصوصها ، فلا يرد تجوّز ولا يحصل منه نقض على القاعدة.
وكذلك لا يتمّ النّقض بمثل قوله تعالى : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى)(٢) ، مع ثبوت إسرائه الى السماء.
وكذلك قول الفقهاء إذا صام المسافر الى نصف النهار ثم سافر لا يجوز له الإفطار كما صدر من بعض الفضلاء ، فإنّ القرينة قائمة على إرادة الخلاف ومطلق الاستعمال أعمّ من الحقيقة ، والاستعمال في المعنى المجازي لا يوجب خروج اللّفظ عن كونه حقيقة في غيره.
والنكتة في الأوّل انّ المحسوس المعاين في نظر الكفّار المتعنّتين إنّما كان ذلك الذي ذكر في الآية ، وكان يمكن إثبات هذه الدّعوى بما يحصل لهم المشاهدة كإخباره صلىاللهعليهوآلهوسلم عن غيرهم وعمّا وقع فيهم في أثناء الطريق ، وكان تحصل المعجزة بمجرّد ذلك أيضا. فالمذكور ما بعد إلى ، إنّما هو المنتهى فيما هو مقصود البيان لهم الممكن التسليم عندهم.
وكذلك المراد من قولهم : إذا صام المسافر الى نصف النهار هو الإمساك المخصوص (٣) المشروط بالشروط لا نفس الصوم وإلّا فلا معنى للصوم الحقيقي
__________________
(١) أي الآثار التي يستدلّ بها على الطريق.
(٢) الإسراء : ١.
(٣) وليس هو المعنى الشرعي ، الّذي هو امساك مخصوص والى الليل وإنّما المقصود المعنى اللغوي.