فلا بدّ إمّا من دعوى التبادر وهو غير مسلّم في الجميع أو ذكر دليل آخر ، وسيجيء الدّليل في خصوص ما نحن فيه.
واختلفوا في كون الدلالة فيما نحن فيه من باب المفهوم أو المنطوق.
والصّواب ترك هذا النزاع ، لأنّ الحصر معنى مركّب من إثبات ونفي وما له المدلول مذكور في أحدهما ، فيستفاد المجموع من المجموع (١). وإن جعل عبارة عن نفي الحكم المذكور عن الغير ، فلا ريب انّه مفهوم على ما مرّ.
والدليل على إفادة الحصر أمران :
الأوّل : التبادر ، فإنّ المتبادر من قولنا : العالم زيد ، انّ العالميّة لا يتجاوز عن زيد الى عمرو وبكر وغيرهما.
والثاني : أنّه لو لم يفد الحصر للزم الإخبار بالأخصّ عن الأعمّ وهو باطل.
وتقريره انّ المراد بالصّفة إن كان هو الجنس فيستحيل حمل الفرد عليه ، لأنّ الحمل يقتضي الاتّحاد ، والفرد الخاص ليس عين حقيقة الجنس فينبغي أن يراد منه مصداقه وهو ليس بفرد خاصّ لعدم العهد وعدم إفادة العهد الذهني فيحمل على الاستغراق فيصير المعنى انّ كلّ ما صدق عليه العالم فهو زيد ، وهذا لا يصحّ إلّا إذا انحصر مصداقه في الفرد ، لاستحالة اتحاد الكثيرين مع الواحد وذلك إمّا حقيقة كما لو فرض انحصار الإمارة (٢) في الخارج ، وإمّا إدّعاء ومبالغة كما في قولنا : الشجاع عمرو والرّجل بكر.
__________________
ـ مثل : التشويق نحو كما قال الشاعر : ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتها شمس الضحى وأبو اسحاق والقمري.
(١) أي مجموع المعنيين الحاصلين من النفي والاثبات من مجموع الإثبات والنفي.
(٢) في مثال الأمير زيد.