كما في قولك : ضربي زيدا قائما ، فالجهتان المتقدّمتان حاصلتان فيه (١).
وأمّا صورة العكس ، فلا يجري ما قدّمنا في المعرّف باللّام فيه ، بل الظاهر انّ معناه زيد صديق لي على طريق الإضافة اللّفظية.
ثم قد ظهر لك ممّا مرّ من تعدّد الجهتين ، أنّ المسند إليه إذا كان معرّفا باللّام يفيد حصره في المسند وإن لم يكن حقّه التأخير أيضا ، كما في قولهم : الكرم التقوى ، والعلماء الخاشعون ، والكرم في العرب ، والإمام من قريش ، كما صرّح به علماء المعاني. ولا يلزم منه كون كلّ ما في العرب كريما ، ولا كلّ من في القريش إماما ، كما لا يلزم في زيد قائم أو انسان انحصار القائم والانسان في زيد.
وأمّا الحصر بإنّما (٢) ، والمراد به نفي غير المذكور أخيرا (٣) كقولك : إنّما زيد قائم في قصر الموصوف على الصّفة وإنّما القائم زيد في العكس.
فالأشهر الأقوى فيه الحجّية للتبادر عرفا ، ونقله الفارسي عن النّحاة
__________________
(١) يعني انّ تقديم ما هو حقه التأخير والتعريف كلاهما حاصلان في قولنا : صديقي زيد فيفيد الحصر من هاتين الجهتين.
(٢) وبالكسر ، والحقّ بها الزمخشري «أنّما» بالفتح ووافقه عليه آخرون ، وإن قيل : إنّه ممّا انفرد به ، لكن لم يثبت.
(٣) قال في «الحاشية» : يعني انّ المراد من الحصر إنّما هو نفي ما سوى ما في المرتبة الأخرى عمّا في المرتبة الأولى ، وقصر على ما في المرتبة الأولى على ما في المرتبة الأخرى. فمعنى قولنا : إنّما زيد عالم ، هو نفي ما سوى العلم من الأوصاف عن زيد ، بمعنى كون زيد مقصورا على العلم وعدم اتصافه بما سوى العلم ، وإن وجد العلم في غيره أيضا. ومعنى إنّما العالم زيد هي نفي ما سوى زيد عن الاتصاف بالعلم ، بمعنى انّ العلم مقصور على زيد ولا يتّصف غيره به ، وإن اتّصف زيد بغير العلم أيضا. ولهذا يسمّون الأوّل من قصر الموصوف على الصّفة والثاني قصر الصّفة على الموصوف.