لنا : التبادر ، فإنّ أهل العرف يفهمون من قولنا : ما ضربت أحدا ، ومن دخل داري فله درهم ، ومتى جاء زيد فأكرمه ، ونحو ذلك العموم. فلو قال السيّد لعبده ، لا تضرب أحدا ، ثم ضرب العبد واحدا لاستحقّ بذلك عقاب المولى.
وللاتّفاق على دلالة كلمة التوحيد عليه ، وللاتّفاق (١) على لزوم الحنث على من حلف أن لا يضرب أحدا بضرب واحد. وانّ من ادّعى ضرب رجل لو أردت تكذيبه قلت : ما ضربت أحدا ، فلولا انّه سلب كلّي لما ناقض الجزئية ، فإنّ سلب الجزئي لا يناقض الإيجاب الجزئي ، ولقصّة ابن الزبعرى (٢) فإنّه لما سمع قوله تعالى : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ)(٣) قال : لأخصمنّ محمّدا صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ثمّ جاءه صلىاللهعليهوآلهوسلم وقال : يا محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم أليس عبد موسى وعيسى والملائكة ، ففهمه دليل العموم لأنّه من أهل اللّسان ، وأدلّ من ذلك جوابه صلىاللهعليهوآلهوسلم حيث قال : ما أجهلك بلسان قومك أما علمت انّ ما لما لا يعقل (٤) ، فلم ينكر العموم وقرّره. وأمّا استعمال كلمة ما في ذوي العقول أو أعلى منهم كما في قوله تعالى : (وَالسَّماءِ وَما بَناها)(٥) ، فإنّما هو خروج عن الحقيقة لنكتة.
وفي رواية أخرى أجاب صلىاللهعليهوآلهوسلم : بأنّ المراد عبادة الشياطين التي أمرتهم بعبادة
__________________
(١) عطف على التبادر.
(٢) بكسر الزّاء المعجمة وفتح الباء الموحدة من تحت الرّاء المهملة الرجل السيئ الخلق ، وقد يطلق على الرجل الكثير شعر الوجه والحاجبين واللّحيين ، وقد يقال الزبعريّ بفتح الزاء المعجمة وإسكان الباء وفتح العين المهملة وآخره ياء مشدّدة هكذا نقل بعضهم.
(٣) الأنبياء : ٩٨.
(٤) «الصراط المستقيم» : ١ / ٤٧.
(٥) الشمس : ٥.