هؤلاء فنزل قوله تعالى : (الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ)(١).
حجّة القائلين بأنّها حقيقة في الخصوص وجهان :
الأوّل : أنّ الخصوص متيقّن المراد من هذه الألفاظ حيث استعملت سواء أريد منها الخصوص فقط أو في ضمن العموم ، بخلاف العموم فإنّه مشكوك الإرادة. ولمّا كان الوضع مسلّما للخصم ولا بدّ له من مرجّح فالأولى أن يقول انّه موضوع للمتيقّن المراد ، فإنّه أوفق بحكمة الواضع حيث إنّ غرضه من الوضع التفهيم.
وبهذا التقرير (٢) اندفع ما أورد على الدّليل بأنّه إنّما يدلّ على تيقّن الإرادة لا على الوضع.
والجواب : أنّ هذا إثبات اللّغة بالترجيح العقلي وهو باطل لأنّ طريقه منحصر في النقل ، إمّا صريحا محضا بالتواتر أو الآحاد أو بإعانة تصرّف من العقل كما لو استفيد من مقدّمتين نقليّتين وضع مثل عموم الجمع المحلّى باللّام ، فإنّه ثبت بواسطة مقدّمتين مستفادتين من النقل.
أحدهما : ما ثبت من أهلّ اللّغة جواز الاستثناء منه بأيّ فرد أمكن إرادته من الجمع واحتمل شموله له في كل موضع.
وثانيتهما : ما ثبت انّ الاستثناء هو إخراج ما لولاه لدخل ، ويحصل من ذلك أنّه يجوز إخراج كل فرد من الجمع ، ثم العقل يحكم بأنّ الشيء ما لم يكن داخلا في شيء لا يمكن إخراجه منه. فثبت انّ جميع الأفراد داخل فيه ، وهو معنى كونه
__________________
(١) الأنبياء : ١٠١.
(٢) أي بقولنا : فالأولى أن يقول أنّه موضوع للمتيقن المراد ... الخ.