يعرف انّ في ذلك الاصطلاح ألفاظا مفردة موضوعة للمعاني الشخصيّة أو النوعيّة ، وألفاظا مركّبة موضوعة للمعاني النّوعيّة ، وألفاظا مستعملة في غير الموضوعات لها بعلاقة مجوز نوعها من الواضع ونحو ذلك كما هو الدأب والدّيدن في جميع اللّغات والاصطلاحات.
ويعلم أنّ ما يتكلّمون به قد بلغ إليهم من واضع اصطلاحهم حقيقة كان أو مجازا ، ولكنّه يريد أن يميّز بين الحقيقة والمجاز ، ويعرف انّ المعاني المتعدّدة التي يستعملون فيها لفظا واحدا على التناوب أيّها حقيقة وأيها مجاز فيتفحّص عن أحوالهم ، فإمّا يصرّحون له بنقل الوضع أو يظهر عليه من مزاولة محاوراتهم خواصّ الحقيقة في البعض وخواصّ المجاز في الآخر ، فمن خواصّ الحقيقة التبادر وعدم صحّة السّلب ، ومن خواصّ المجاز تبادر الغير وصحّة السّلب ، ومن العلم بالعرض الخاصّ يحصل العلم بالمعروض ، ومعرفة خاصّة الشيء من خارج لا يحتاج الى النقل من الواضع ، فالمقصود بالذّات من استعلام هذه الخواص تحصيل العلم بالوضع بعنوان الحقيقة لا تحصيل العلم بمطلق الوضع وإن حصل العلم بالوضع في ضمنه (١) أيضا ، فإنّ القدر المشترك بين الوضع الحقيقي والمجازي حاصل لذلك الجاهل ، إنّما إشكاله في تعيين الخصوصيّة ، فطلب تحصيل العلم بالقدر المشترك تحصيل الحاصل.
فإن قلت : نعم ، ولكن ذلك لا ينفي القول بإثبات اللّغة بالعقل ، فإنّ اللّغة هو اللّفظ الذي وضع لمعنى سواء كان بالوضع الشّخصي أو النّوعي الحقيقي أو
__________________
(١) أي وإن حصل العلم بالوضع المطلق في ضمن العلم بالوضع بعنوان الحقيقة.