الذهني أو الكثرة في الاستغراق إنّما هو بقرينة المقام لا بسبب ما كان في أصل الموضوع له ، وإلّا لم يتمّ في الاستغراق جزما.
وأنا أقول : الظاهر أنّ المعرّف بلام الجنس لا يصحّ إطلاقه على المذكورات بعنوان الحقيقة ، لأنّ مدلول المعرّف بلام الجنس هو الماهيّة المعرّاة عن ملاحظة الأفراد مع التعيّن ، والحضور في الذّهن وذكره وإرادة فرد منه ، استعمال اللّفظ في غير ما وضع له.
لا يقال : التّعرية عن ملاحظة الأفراد ليس عبارة عن ملاحظة عدمها ولا منافاة كما يقال : هذا رجل لا امرأة (١) ، وهو حقيقة جزما ، لأنّا نجيب عنه بنظير ما أشرنا إليه في مبحث استعمال اللّفظ المشترك في المعنيين ، من أنّ الوضع توقيفيّ كالأحكام الشرعيّة ، وأنّ اللّفظ المشترك موضوع لكلّ من المعاني في حال الوحدة لا بشرط الوحدة ، وأنّه لا رخصة في إرادة غيره معه ، ولا ريب أنّ حال عدم الملاحظة مغاير لحال اعتبار الملاحظة (٢) ، وذكر اللّفظ الموضوع لمعنى وإرادة معنى آخر منه غير حمل اللّفظ الموضوع لمعنى على معنى آخر مغاير له في الجملة.
والثاني : قد لا يستلزم المجازيّة كما في قولك : هذا رجل ، فإنّ المراد هنا صدق رجل على المشار إليه ، وغايته إفادة اتّحاد وجودهما ، لا كونهما موجودا واحدا كما أشرنا في مفهوم الحصر ، فقولك : زيد الرّجل ، يغاير معنى : زيد رجل ، ولذلك يحمل الأوّل على المبالغة ، لأنّ معناه أنّ زيدا نفس الطبيعة المعيّنة ، ومعنى الثاني
__________________
(١) هذا مثال لعدم المنافاة من إرادة الفرد من الجنس مع كونه حقيقة لا مجازا.
(٢) هذا جواب عن التمثيل بقوله : كما يقال هذا رجل لا امرأة.