استعمال في غير ما وضع له ، وهو مجاز ، وذلك لا يستلزم الحصر ، فما معنى قولك : لا غير ، في هذا المقام؟
قلت : هذا كلام (١) ناشئ عن الغفلة عن فهم الحقيقة والمجاز.
وتحقيق المقام ، أنّ الحقيقة هي الكلمة المستعملة فيما وضع له ، المستلزمة في ظرف التحليل للحمل الذّاتي ، فإنّا إذا سمعنا أنّ العرب وضع لفظ الأسد لنوع من الحيوان واشتبه علينا هذا النوع ، فإذا وصف لنا هذا الحيوان وتميّز من بين الحيوانات ، وقيل لنا : هذا الأسد ، فلا ريب أنّ هذا حمل ذاتي وانّ المجاز أيضا هو استعمال اللّفظ الموضوع لمعنى في معنى آخر ، بأن يفيد أنّ هذا ذاك بعنوان الحمل الذّاتي لا الحمل المتعارفي ، فإنّ أسدا في قولنا : رأيت أسدا يرمي ، لم يستعمل إلّا في الرّجل الشّجاع ، ولم يستعمل في زيد مثلا.
نعم استعمل الرّجل الشّجاع الذي أريد من هذا اللّفظ (٢) في زيد على نهج يتضمّن الحمل المتعارفي ، إذ التشبيه إنّما وقع بين مفهوم الأسد ومفهوم الرّجل الشجاع ، بمعنى أنّ زيدا شبّه من جهة أنّه رجل شجاع بالحيوان المفترس (٣) لا من حيث الخصوصيّة ، واستعير لفظ الأسد الموضوع له (٤) لزيد من حيث إنّه رجل شجاع لا من حيث الخصوصيّة ، فلفظ : أسد في هذا التركيب مجاز من حيث إنّه أريد منه (٥) الرّجل الشجاع ، وحقيقة من حيث إطلاقه على فرد منه. فإطلاق أسد
__________________
(١) أي عدم استلزام انحصار الكلي في الفرد حين إرادة الخصوصيّة من المفرد.
(٢) أي من لفظ الأسد.
(٣) الحيوان المفترس متعلّق بشبّه.
(٤) أي الحيوان المفترس.
(٥) أي من الأسد.