والحاصل ، أنّهم إن أرادوا أنّ مثل : ادخل السّوق و : اشتر اللّحم أو نحو : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ)(١) ، لتعريف الجنس ، ولكنّ العقل يحكم بسبب المقام انّ إتيان فرد ما مطلوب بالتّبع وهو حقيقة من جهة انّه مستعمل في نفس الموضوع له وهو الجنس فنعم الوفاق ، لكنّه غير موافق للكلمات المتقدّمة ، فإنّها صريحة في الإطلاق على الفرد.
وما يتوهّم (٢) من الفرق بين الإطلاق والاستعمال ، بأنّ الإطلاق يطلق على ما هو غير مقصود بالذّات بخلاف الاستعمال ، فهو كلام يرجع حاصله الى ما ذكرناه من الدّلالة التبعيّة ، فلا ريب أنّ رجل في قوله تعالى : (وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ)(٣) ليس من هذا القبيل ، وكذلك : رأيت اسدا ورجلا ونحو ذلك ، فكيف يحوّل تحقيق المقام على ما يذكره في باب الاستعارة؟
وإن أرادوا انّه أطلق وأريد منه فرد ما أو جميع الأفراد وهو حقيقة لوجود الكليّ في ضمنها مثل : رأيت إنسانا ، وجاء رجل ، فهو مجاز لا حقيقة لاستعمال اللّفظ في غير ما وضع له كما بيّنا.
فغاية الأمر أنّ وجود الكليّ في ضمن الفرد علاقة للمجاز ، وكذا مناسبة الكليّ لفرد ما علاقة له.
بقي الكلام في بيان مطلب من قال : انّ صيغة افعل حقيقة في القدر المشترك بين الوجوب والندب ، وهو الطلب الرّاجح ، لأنّه قد استعمل فيهما ، فلو كان حقيقة في
__________________
(١) العصر : ٢.
(٢) إنّهم قالوا : اطلق الكلّي على الفرد ، وما قالوا : استعمل الكلي في الفرد ، والفرق بين الاستعمال والاطلاق واضح ، فلا اعتراض لقولهم بالحقيقة.
(٣) القصص : ٢٠.