ثم إنّ الشهيد الثاني رحمهالله قال في «تمهيد القواعد» : إذا احتمل كون أل للعهد وكونها لغيره كالجنس أو العموم ، حملت على العهد لأصالة البراءة عن الزّائد ، ولأنّ تقدّمه قرينة مرشدة إليه. ومن فروعها ما لو حلف لا يشرب الماء ، فإنّه يحمل على المعهود حتى يحنث ببعضه ، إذ لو حمل على العموم لم يحنث.
ومنها : إذا حلف لا يأكل البطيخ ، قال بعضهم : لا يحنث بالهندي وهو الأخضر.
وهذا يتمّ حيث لا يكون الأخضر معهودا عند الحالف إطلاقه عليه إلّا مقيّدا.
ومنها : الحالف لا يأكل الجوز ، لا يحنث بالجوز الهندي ، والكلام فيه كالسّابق إذ لو كان إطلاقه عليه معهودا في عرفه حنث به ، إلّا أنّ الغالب خلافه ، بخلاف السّابق فإنّه على العكس (١).
أقول : بعد الإغماض عمّا بيّنا من أنّه حقيقة في الجنس ، وأصالة الحقيقة تقتضي إرجاعه الى إرادة الماهيّة ، نقول : إنّ أصالة البراءة لا تقتضي الحمل على العهد مطلقا (٢) ، إذ قد تقتضي الحمل على الجنس أو العموم ، فإذا قال الشارع : يجوز السّجود على الحجر ، فإذا جوّزنا السّجود على أيّ حجر كان ، فلا يجب علينا تكلّف تحصيل المعهود لو فرض حصول غير المعهود ، مثل المغناطيس ، وأمثلته في أحكام الشرع كثيرة ، مع أنّ ما ذكره في حكاية شرب الماء ، مع المناقشة في عدم كونه مثالا لما نحن فيه ، إذ العهد فيه إنّما هو في الشّرب لا الماء ، يقتضي خلاف ما ادّعاه.
وبالجملة ، فأصالة البراءة قد تقتضي الحمل على المعهود كما في المثالين
__________________
(١) إلى هنا ينتهي كلام الشهيد في «التمهيد» : ص ١٥٩.
(٢) أي في كل مسألة.