وإن أريد الإتيان به مع عدم قصد التعيين عند المتكلّم ، فلا يحتاج الى الحمل على العموم أصلا ، بل يحصل الامتثال بأقلّ الأفراد ، إذ يحصل الامتثال بإيجاد الطبيعة في ضمن فرد ، فهو من باب التخيير المستفاد من الأمر بالكلّي.
فكما أنّ قولك : جئني برجل ، يقتضي الامتثال بإتيان أيّ رجل يكون ، فكذلك فيما نحن فيه ، إذ كما أنّ كلّ رجل يصدق عليه أنّه رجل ، فكذلك كلّ رجال يصدق عليه أنّه رجال ، ولمّا كان ذلك في معنى التخيير ، والتخيير بين الأقلّ والأكثر لا يقتضي إلّا كون الأكثر أفضل ، فالأقلّ متيقّن المراد.
فالعمدة في تحقيق المسألة إرجاع الأمر الى أنّ المراد بالجمع المنكّر في الكلام هو المعيّن عند المتكلّم ، المبهم عند المخاطب أو مجرّد الطبيعة المبهمة ، فعلى الأوّل لا بدّ أن يحمل على العموم لئلّا ينافي الحكمة ، وعلى الثاني يكتفى بالأقلّ لأصالة البراءة عن الزّائد وحصول الامتثال بالأقلّ. وأمّا حصول العلم بإرادة الأقلّ والشّك في الباقي ، فهو مشترك بين المعنيين.
ثمّ لا بدّ أن يعرف أنّ اللّفظ أظهر في أيّ المعنيين ، والظاهر في الصّورة الاولى (١) ، بل المتعيّن هو الأوّل ، وكذا في الصّورة الثانية. وأمّا في باقي الصّور فالأظهر هو المعنى الثاني فيحمل عليه ويكتفى بالأقلّ الى أن يظهر من الخارج إرادة التعيين ، فإمّا يحمل على العموم ، أو ينتظر البيان إن كان له مجال.
ثمّ إنّ ما ذكرنا ، أنّ الحكمة تقتضي الحمل على العموم فيما يحتاج إليه ، إنّما هو
__________________
(١) المراد منها مثل جاءني رجال ، ويحتمل أن يكون المراد من الصورة الأولى هي الأولى من الصّورتين الأخيرتين فيكون المراد من قوله : فالعمدة في تحقيق المسألة ، مسألة الصورتين الأخيرتين لا كليّة المسألة في الجمع المنكر وهو خلاف الظاهر. هذا على ما في الحاشية.