إذا لم يكن الإجمال مقتضى الحكمة ، وإلّا فقد يكون مقتضاها الإبهام إذا لم يكن وقت الحاجة الى بيانه ، ولكن لمّا كان الأصل عدم تلك الحكمة ، والظاهر في أكثر الخطابات أنّها وقت الحاجة ، فيحمل على العموم.
ثمّ إنّ كلام المجيب ظاهر في أنّ الأقلّ متيقّن الإرادة ، والباقي مشكوك فيه ، وهذا لا يتمّ مطلقا ، فإنّ الأمر الدالّ على التخيير في إيجاد الطبيعة لا يبقى معه شكّ في عدم وجوب الأزيد من أقلّ الأفراد.
فقول القائل : أعط زيدا دراهم ، على ما هو ظاهره من تعليق الحكم بالطبيعة المبهمة مطلقا ، لا يجعله من باب : (وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ)(١) نصّ في إجزاء ثلاثة دراهم ، ولا يبقى معه شكّ في عدم وجوب الأزيد.
ثمّ إنّ الظّاهر أنّ مراد الجبّائي الحمل على الجميع من حيث إنّه مجموع معانيه المشترك فيهما لفظا ، لا من حيث إنّه هو أحد معانيها. فعلى هذا يصحّ معنى عمومه الأفرادي والجمعي كليهما ، فيتّجه الجواب بمنع الاشتراك أوّلا ، وبمنع الظّهور في الجميع ثانيا ، وبمنع أولويّة إرادة الجميع ثالثا.
والقول بأنّ الحمل على الجميع أحوط ، معارض بأنّه قد يكون خلافه أحوط.
وعلى ما ذكرنا فلا يرد ما يقال (٢) : انّ منع الاشتراك اللّفظي لا يضرّ المستدلّ إذ يكفيه كون هذه المراتب من أفراد الحقيقة ، وكون هذا الفرد يشمل جميع الأفراد (٣).
__________________
(١) القصص : ٢٠.
(٢) هذا تفريع على قوله : انّ الظاهر انّ مراد الجبّائي ... الخ.
(٣) فالوجه منع كون هذا موجبا للأولويّة. واعلم أنّ المورد هو سلطان المحققين في حاشيته على «المعالم» ص ٢٩٦.