منها : الاستدلال بقول المصنّفين في كتبهم : اعلم ، وتأمّل ، وتدبّر (١).
ولا ريب أنّه مجاز أريد به الإيصاء ، بل هو نصب علامة للأغلاق والأشكال (٢) كنصب الأميال للفراسخ.
وقد يقال : إنّ تلك الخطابات مختصّة بالحاضرين ، ولكن قام الكتّاب والمبلّغون واحدا بعد واحد مقام المتكلّم بها ، فلم يخاطب بها إلّا الموجود الحاضر ، فكان الكتابة نداء مستمرا من ابتداء صدور الخطابات الى انتهاء التكليف. والسرّ فيه ، أنّ المكتوب إليه ينتقل من الوجود الكتبي الى الوجود اللّفظي ، ومنه الى المعنى. فمن حيث هو قار متكلّم ، ومن حيث أنّه من المقصودين بالخطابات ، مستمع ومخاطب.
وفيه : أنّ ذلك مجرّد دعوى لا دليل عليها ، ولا يستلزم ما ذكره كون الخطاب من الله تعالى في كلّ زمان بالنسبة الى أهله. وكما أنّ في زمان الحضور لا يجوز المخاطبة بتلك الألفاظ مع المعدومين لانتفاء أحد المنتسبين ، فكذلك في الأزمنة المتأخّرة لا يتحقّق المخاطبة عن الله تعالى لانقطاعه وامتداده بحسب الأزمان أوّل الدّعوى ، فلم يبق إلّا بتبليغ نفس الحكم ، وهو مسلّم.
قوله : فمن حيث هو قار متكلّم.
نعم ، متكلّم لكنّه حاك للخطاب المتقدّم ، لا إنّه مخاطب ـ بكسر الطّاء ـ.
__________________
(١) ونحو ذلك من هذا القبيل ، ذكرها في «الوافية» : ص ١٢٤.
(٢) ومقصوده كونه مغلقا ومشكلا.