وأمّا العالمون بالأوضاع ، فلا يحتاجون إلى إعمال هذه العلامة إلّا من جهة إعلام الجاهل.
ولمّا كان استناد الانفهام إلى مجرّد اللّفظ وعدم مدخلية القرينة فيه أمرا غامضا لتفاوت الأفهام في التخلية وعدمه ، وتفاوت القرائن في الخفاء والوضوح (١) ، فمن ذلك يجيء الاختلاف في دعوى التبادر من الأجانبة (٢) بالاصطلاح المذكور. فقد يكون الانفهام عند أهل هذا الاصطلاح من جهة القرائن الخفيّة ، ويدّعي الغافل التبادر بزعم انتفاء القرينة ، ويدّعي خصمه المتفطّن التبادر في معنى آخر ، وهكذا.
ولذلك أوجبوا استقراء غالب موارد الاستعمال ليزول هذا الاحتمال ، فالاشتباه والخلط ؛ إمّا لعدم استفراغ الوسع في الاستقراء (٣) ؛ وإمّا لتلبيس الوهم وإخفاء القرينة على المدّعى ، ولذلك قالوا : إنّ الفقيه متّهم في حدسه بالنسبة الى العرف وإن كان هو من أهل العرف ، لكثرة وفور الاحتمالات وغلبة مزاولة المتخالفة من الاستعمالات مع ما يسنحه من المنافيات (٤) من جهة الأدلّة العقلية والنقلية ،
__________________
ـ متعفّن الاخلاط محموم فهذا محموم. وإن لم يكن واسطة في ثبوت النسبة في نفس الامر فالبرهان يسمى البرهان الإني حيث يدل على إنيّة الحكم خاصة ، وتحققه في الواقع دون علّيته في الذهن سواء كانت الواسطة حينئذ معلولا للحكم كالحمى في قولنا زيد محموم وكلّ محموم متعفّن الاخلاط فزيد متعفّن الاخلاط ، هذا كما في حاشية الميرزا موسى.
(١) إذ إنّ فهم العوام خال عن الأدلّة الخارجية بخلاف العلماء ، وتفاوت القرائن لأنّ بعضها خفيّة وبعضها واضحة.
(٢) أي صادرة تلك الدعوة من الغافل الجاهل بالاصطلاح المذكور.
(٣) لعدم بذل تمام الطاقة في التتبع.
(٤) يعرضه من المنافيات.