مجازا راجحا في الندب مساويا للحقيقة من جهة التبادر وعدمه ، لم يقل بصيرورته مجازا في الوجوب في عرفهم ، فإنّ الذي يصحّ أن يحمل كلامه عليه دعوى شيوع استعمال الأمر في كلامهم في الندب خاليا عن القرينة وانفهام إرادة الندب من رواية اخرى أو إجماع أو غير ذلك ، فإنّ كثرة الاستعمال مع القرينة لا يستلزم ما ذكره كما لا يخفى ، وهو لا ينكر أنّ الأمر في كلامهم أيضا مستعمل في الوجوب بلا قرينة ؛ وإن علم الوجوب من الخارج ، ولا يتفاوت الأمر حينئذ بين تبادر المجاز الرّاجح أو حصول التوقّف (١).
والظاهر أنّ من يقول بتبادر المجاز الرّاجح أيضا ، لا يقول بعدم جواز الاستعمال في اللّفظ بلا قرينة ، غاية الأمر توقّف الفهم على القرينة ، ومطلق ذلك التوقّف لا يستلزم المجازية ، ولذلك اختلفوا في مبحث تعارض الأحوال في حكم اللّفظ إذا دار بين الحقيقة والمجاز الرّاجح.
فقيل : بتقديم الحقيقة (٢) من جهة رجحان جانب الوضع.
وقيل : بتقديم المجاز الرّاجح ؛ لترجيح جانب الغلبة ، فإنّ الظنّ يلحق الشيء
__________________
ـ القسم الثاني من المجاز المشهور في المعنى الأوّل وبدون القرينة ، فإنّ الشيخ حسن رحمهالله يقول : بأنّ صيغة افعل مجاز مشهور في الندب ، ومع ذلك فهو لا ينكر أن يستعملها الأئمّة عليهمالسلام في الوجوب بدون قرينة راجع ص ١٣٥ من مبحث دلالة صيغة افعل.
(١) فلا يتفاوت الأمر الذي هو جواز استعمال المجاز المشهور بدون قرينة في المعنى الأوّل بين القول بتقديم المجاز المشهور الراجح وبين القول بالتوقف ، فيجوز استعماله فيه بدون القرينة على كلا القولين.
(٢) كما ذهب الفاضل التوني في «الوافية» ص ٦١ ، والغزالي في «المستصفى» ١ / ٢٣٧ ، وراجع الفائدة الرابعة والثلاثون من «الفوائد الحائرية» ص ٣٢٣ ففيها زيادة بيان.