وممّا ذكرنا (١) ؛ يظهر حال عدم صحّة السّلب بالنسبة الى المعنى الحقيقي ، فإنّ المراد عدم صحّة سلب المعنى الحقيقي في الجملة ، فيقال : إنّه علامة لكون ما لا يصحّ سلب المعنى الحقيقي عنه معنى حقيقيّا بالنسبة الى ذلك المعنى الذي لا يجوز سلبه عنه ، وإن احتمل أن يكون للفظ معنى حقيقي آخر يصح سلبه عن المبحوث عنه فيكون مجازا بالنسبة اليه ، فلا يتوقّف معرفة كون المبحوث عنه حقيقة على العلم بكونه حقيقة حتّى يلزم الدّور.
وكيف يتصوّر (٢) صدق جميع الحقائق على حقيقة لو فرض كون اللّفظ مشتركا حتّى يجعل ذلك منشأ للإشكال كما توهم (٣) في جانب المجاز ، إذ هذا التصوّر مبنيّ على جعل قولهم عدم صحّة سلب الحقائق سلبا كليّا كما في المجاز ، وأمّا لو جعل سلبا جزئيّا فلا يرد ذلك ، ولا يحتاج الى إضمار الدّور ، ولكنّه لا يناسب حينئذ إثبات الحقيقة مطلقا ، بل يناسب إثباتها في الجملة ، فليعتبروا في المجاز أيضا كذلك ويضيفوا إليه ملاحظة النسبة حتى يرتفع الدّور.
والحاصل ، أنّ معرفة كونه حقيقة في هذا المعنى الخاصّ موقوف على معرفة الحقيقة في الجملة ، وذلك لا يستلزم دورا.
الثاني : أن يكون المراد من صحّة السّلب وعدم صحّة السّلب ، سلب المعنى
__________________
(١) أي كونه موضوعا بوضع آخر.
(٢) الاستفهام هنا إنكاريّ أي لا يتصوّر فيه غير ما ذكرنا من إثبات الحقيقة في الجملة لا مطلقا.
(٣) توهّم الاشكال في جانب المجاز بناء على اعتبار علامته موجبة كلية وهي صحة سلب جميع الحقائق. والاشكال المتوهم هنا هو عدم دفع الدّور بحسب اعتقاد المصنف.