والتّخصيص والإضمار وإن كانا قسمين من المجاز ، لكنّه لمّا كان لهما مزيد اختصاص وامتياز افردوهما من أقسام المجاز وجعلوهما قسيما له ، وذكروا لكلّ واحد منها مرجّحا على الآخر (١) ، مثل.
أنّ المجاز أرجح من الاشتراك (٢) لكثرته وأوسعيّته في العبارة ، وكونه أفيد ، لأنّه لا توقّف فيه أبدا بخلاف المشترك. والاشتراك أرجح من المجاز (٣) من حيث أبعديّته عن الخطأ إذ مع عدم القرينة يتوقّف ، بخلاف المجاز ، فيحمل على الحقيقة ، وقد يكون غير مراد في نفس الأمر ، وأنّ المجاز يصحّ من كلّ من المعنيين فيكثر الفائدة ، بخلاف المجاز من النقل ، لأنّ النقل يقتضي الوضع في المعنيين على التعاقب ونسخ الوضع الأوّل بخلاف الاشتراك ، والنسخ يقتضي بطلان المنسوخ ، والاشتراك ، يقتضي التوقّف فيكون أولى ، وأنّ الاشتراك أكثر من النقل.
والإضمار أرجح من الاشتراك لاختصاص الإجمال الحاصل بسبب الإضمار ببعض الصّور ، وذلك حيث لا يتعيّن المضمر ، وتعميمه في المشترك ، وأنّ الإضمار أوجز وهو من محاسن الكلام.
__________________
(١) أراد من هذا القول في الجملة وإلّا فسيأتي أنّ بين المجاز والإضمار قول بالمساواة فلا مرجّح لأحدهما على الآخر على ما ذكره ، مع أنّه لم يذكر في بعض أطراف الصّور مرجّح.
(٢) أي من بعض صور الدوران بعضها مع بعض دوران الاشتراك مع المجاز ، فقوله : لكثرته دليل على أرجحية المجاز.
(٣) وهذا عطف على قوله : المجاز أرجح من الاشتراك. وهذه الأرجحيّة علّتها بوجهين : أحدهما من حيث أبعديّته كما أشار. وثانيهما : انّ المجاز يصح لكل من المعنيين أي كل واحد من المعنيين المشترك باعتبار كونه معنى حقيقيا يصح المجاز ، أما معنى المجازي لا يصح منه المجاز إلّا على القول بسبك المجاز من المجاز.