خيامهم المسمرة الآن فحسب بل أرى مقبرة سلمان الفارسي .. كما أستطيع أن أرى على الضفة الأخرى من النهر كثبانا وتلالا هي من بقايا آثار مدينة «سلوقية» المشهورة ، ويخيل إليّ الآن في هذه الحالة أن هاتين المدينتين وأقصد طيسفون وسلوقية كانتا كأختين عاشتا معا بغيرة وحسد وقضيا نحبهما معا أيضا ..
إذا كانت مدينة طيسفون قد أنشئت بأيدي البارثيين أو أنشأها المتأخرون من ملوك الهخامنشيين ولها الحق أن تفتخر بقدمها التاريخي ، فمدينة سلوقية التي وجدت في زمن أولياء الاسكندر استطاعت بمدّة قصيرة أن تنافس غريمتها طيسفون وأن تحتل مكانها بين المدن الفارسية وأن تتقدّم وتترقى يوما بعد آخر على حين ظلّت طيسفون يخيّم عليها الأسى والحزن وتعسكر فيها جيوش «سيت» الغازية.
وأخيرا استطاعت هذه المدينة اليونانية النشأة أن تبز المدن الأخرى المجاورة من حيث الرقي والتقدّم فتمركزت فيها الثروة وأصبحت مركزا من المراكز التجارية المهمة ، كما أن نفوسها أخذت في التزايد حتى أصبحت عدّتها ستمائة ألف نسمة. وفي زمن پلين (Pline) (١) كانت المدينة تتمتع بحرية واسعة وكانت العادات والتقاليد الغربية هي السائدة فيها ولم يكن شيء من الروح الشرقية المتوحشة يتحكم في أمور الناس. فلقد كان لها مجلس شيوخ يتكوّن من ثلاثين عضوا ينتخبون من حكماء القوم وسراتهم .. وباختصار أقول إن الشعب كان يشارك في إدارة أموره وكيفية حكمه كما كان فيها جيش يفوق أهالي سلوقية من حيث الحكم والإدارة وانشقوا على أنفسهم طوائف وفرقا ، كل منها تناهض الأخرى حتى انتهى بهم الأمر إلى أن يلوذ زعماء الطوائف
__________________
(١) وهذا أحد علماء الطبيعة القدامى وقد كتب في التاريخ الطبيعي (٣٧) مجلدا وظلّت معلوماته التي ضمنها في تلك المجلدات مما يعتمد عليه عدّة قرون وعند ثورة بركان جبل فيزوف في ايطاليا سنة ٧٩ تلك الثورة التي محت مدن هركولاندم وبمبئ أراد هذا العالم الجليل أن يجري بعض تجاربه العلمية لمعرفة سبب ثورة البراكين وما يمكن من معالجة ، فذهب مع السفن التي كانت تحت إمرته إلى مدينة قريبة من البركان تسمى «استاب» ولكن بعد ساعات من وصوله خنقته أبخرة البركان المتصاعدة وقضت عليه!