وأمّا إذا كان المرجع لفظا له حقيقة وأريد به المعنى المجازي (١) ، فلمّا كان مقتضى أصل الحقيقة حمل اللّفظ على معناه الحقيقي ، فيقتضي ذلك الأصل أنّ المراد من ذلك اللّفظ هو ما كان ظاهرا فيه ، ويحصل العهد بينهما بدلالة الظّاهر ، فإذا دلّت القرينة على إرادة خلاف الظّاهر منه بعد ذكر الضمير ، فيكشف عن عدم معهوديّة المرجع ، وذلك يستلزم استعمال الضمير في غير ما وضع له ، وهذا هو معنى مجازيّة الضمير اللّازمة على تقدير تخصيص العامّ.
وبما ذكرنا تقدر على فهم المجازيّة في سائر أنواع الاستخدام (٢) الذي يحصل
__________________
(١) بلا قرينة المجاز.
(٢) قال في الحاشية : لا يخفى انّ قاعدة مطلق الاستخدام هو أن يراد بلفظ له معنيان سواء كانا حقيقيين أو مجازيين أو مختلفين أحد المعنيين ، ثم يراد بالضمير الراجع إليه معناه الآخر أو يراد بأحد ضميري ذلك اللّفظ أحد المعنيين ، ثم يراد بالضمير الآخر معناه الآخر. ومن أمثلة القسم الثاني قول الشاعر : فسقى القضاء وساكنيه وإن هم شبّوه بين جوانحي وضلوعي. حيث أراد بأحد الضميرين الراجعين الى القضاء وهو المجرور في الساكنين المكان ، وبالآخر وهو المنصوب في شبّوه النار. يعني سقى الله تعالى القضاء وهو شجر معروف يقال له في الفارسية (درخت طاق) والساكنين مكان الذي قريب بذلك القضاء مجاوريه ، وإن كان أهل ذلك المكان والساكنية أوقدوا النار التي مثل نار القضاء في الشّدة بين جوانحي وضلوعي ، بل ولا بأس بأن يجعل ذلك البيت بملاحظة المعنى الحقيقي للّفظ أعني الشجر المعروف ، فيكون من أمثلة القسم الأوّل أيضا.
والحاصل ، أنّ الشاعر أراد هنا ثلاثة معان : أحدها : الشجر المعروف. وثانيها : المكان الذي هو قريب من هذا الشجر ومجاور له. وثالثها : النار التي مثل نار القضاء في الشدة والحرارة. فباعتبار إرادة معنى من أحد ضميري اللّفظ ومعنى آخر من ضميره الآخر في القسم الثاني. وكيف كان فملاحظة تلك الأقسام المتصوّرة في ـ