فإن قلت : فما معنى الدّلالة عليها ، وما معنى قولهم : الوضع تعيين اللّفظ للدلالة على معنى بنفسه ، وجعل الدّلالة غرضا للوضع ينافي ما ذكرت من نفي ذلك؟
قلت : لا منافاة (١) ، فإنّ مرادهم من الدّلالة على معنى هناك ، صيرورته موجبا لتصوّر الموضوع له.
ومرادهم ثمّة في نفي كون استفادة المعاني غرضا في الوضع ، التصديق بأنّ تلك المعاني قد وضعت لها تلك الألفاظ ، فمجمع القاعدتين (٢) ، أنّ الألفاظ قد وضعت بإزاء المعاني لأجل أن يحصل تصوّر المعاني بمجرّد تصوّر الألفاظ ليتمكّن من تركيبها حتى يحصل المعنى المركّب ويحصل به تفهيم المعنى المركّب. ولمّا كان المقصود (٣) من وضع الألفاظ تفهيم المعاني المركّبة الموقوفة غالبا على استعمال الألفاظ وتركيب بعضها مع بعض ، ولا بدّ أن يكون الاستعمال أيضا على قانون الوضع ولا ينفكّ الدّلالة غالبا عن الإرادة ، بمعنى أنّ المدلول غالبا لا بدّ أن يكون هو المراد ، ولا بدّ أن يكون المراد ما هو مدلوله اللّفظ ، ويحمل اللّفظ عليه وإن لم يكن مراد اللّافظ في نفس الأمر ، ولا بدّ أن يكون المراد موافقا لقانون الوضع من حيث الكميّة والكيفيّة ، فلا استبعاد أن يقال : مرادهم من الدّلالة في
__________________
(١) وقد ردّ على هذا القول المحقق الاصفهاني في «هدايته» : ٣ / ٢٧٠ وجعل من الغرابة ما ذكره المصنّف.
(٢) أي قاعدة انّ الغرض من وضع الألفاظ معانيها على ما يستفاد من لام الدّلالة ، والقاعدة التي اختارها هنا بأنّ الغرض من وضع الألفاظ هو الضمّ والتركيب. وقال في الحاشية : أي قاعدة جعل الدلالة غرضا للوضع وقاعدة نفي كون استفادة المعاني غرضا في الوضع.
(٣) هذا وجه آخر لدفع المنافاة بين القاعدتين.