وإمّا لفظيّة كحمل آية الصدقة على بيان المصرف لا الاستحقاق والملك ، بقرينة ملاحظة ما قبلها وهو قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ)(فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ.)(١) فالآية ردّ عليهم وردع عمّا اعتقدوا أنّه يجور في ذلك ، بل إنّه يصرفه في مصرفه.
وثمرة ذلك عدم وجوب التوزيع على الأصناف (٢) ، وإحاطتهم.
وربّما تكون القرينة مفصولة ، مثل الأخبار المخصوصة بالسّنّة والإجماع وغيرهما. وإن شئت جعلت المجازات كلّها من باب المأوّل بالنسبة الى اللّفظ مع قطع النظر عن القرينة سواء قارنها القرينة أو فارقها ، فمع ملاحظة الهيئة المركّبة من اللفظ والقرينة ظاهر ، ومع قطع النظر عن القرينة مأوّل ، وهو بعيد.
والتحقيق أن يقال : إنّ المجاز ما اقترن بالقرينة الدالّة على خلاف ما وضع له اللّفظ ، والمأوّل ما لم يقترن به. وعلى هذا فاليد في الآية ليست بمجاز ، بل هي ظاهرة في معناها الحقيقي عند عامّة العرب ، محمولة على خلاف ظاهرها عند أهل المعرفة ، والقرينة على هذا الحمل هو العقل. وعلى هذا يظهر الفرق بين قولنا : رأيت أسدا يرمي ، وبين : (يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ).
وعلى هذا فكلّ المجملات التي لها ظاهر وتأخّر بياناتها عن وقت الخطاب مؤوّلات ، وكذلك العمومات المخصّصة بما هو مفصول عنها ، وأطلق عليها المجاز توسّعا من أجل احتمال أن يكون القائل أراد منها حين التكلّم ما ظهر إرادته
__________________
(١) التوبة : ٥٨.
(٢) الأصناف الثمانية المذكورة في الآية رقم ٦٠ التي بعدها وهي : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ.)