نظرا وأكثر تأمّلا ، «فربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه» (١). فعلى المجتهد التحرّي والتأمّل وملاحظة رجحان الظنّ بحسب المقامات ، وقد وجدنا المقامات مختلفة في غاية الاختلاف ، وترجّح عندنا شهرة القدماء تارة وشهرة المتأخّرين أخرى ، وتارة وجدنا مشهورا لا أصل له ، وأخرى وجدناها مستقلّة (٢) في الحكم ومحلّا للاعتماد.
ثمّ إنّ هاهنا كلاما وهو : أنّ المشهور عدم حجّية الشهرة ، فالقول بحجّية الشهرة مستلزم للقول بعدم حجّيتها ، وما يستلزم وجوده عدمه ، فهو باطل.
ويمكن دفعه : بأنّ الذي يقوله القائل هو حجّية الشهرة في مسائل الفروع ، والذي يلزم عدم حجّيته هو الشهرة في المسألة الأصولية ، وهي عدم حجّية الشهرة ، ولا منافاة.
ووجه الفرق ابتناء المسألة الأصولية على دليل عقليّ يمكن القدح فيه ، وهو عدم الائتمان على الخطأ في الظّنون ، وهو لا يقاوم ما دلّ على حجّية الشهرة ، وهو ما دلّ على حجّية الظنّ بعد انسداد باب العلم إلّا ما أخرجه الدليل كما سيجيء ، والعلّة المنصوصة وغيرهما (٣) ، فما يحصل من الظنّ بصدق الجماعة في الحكم الفرعي ، أقوى من الظنّ الحاصل من قول الجماعة بعدم جواز العمل بالمشهور.
__________________
(١) وهو من جملة فقرات الخبر النبوي الذي ذكره الشيخ البهائي في «الأربعين» وهو قوله صلىاللهعليهوآله : رحم الله امرأ سمع مقالة ووعاها فأدها كما سمعها فربّ حامل فقه الى من ليس بفقيه وربّ حامل فقه الى من هو أفقه منه.
(٢) يعني شهرة مطلقة غير منتسبة الى أحد الفريقين وغير مخصوصة بإحداهما.
(٣) مما دلّ على حجّية الظنّ المطلق كما سيجيء.