وقال التفتازاني (١) : إنّ حاصل كلامه أنّه ليس أوّليا (٢) ولا كسبيا ، بل من قبيل القضايا التي قياساتها معها ، مثل قولنا : العشرة نصف العشرين.
وأنت بعد التأمّل فيما ذكرنا تعرف أنّه ليس من هذا القبيل ، وأنّ الحقّ ما ذكرنا من التفصيل.
والظاهر أنّ ما ذكره الغزالي نوع من النظري لا واسطة ، ولذلك نسب العلّامة في «التهذيب» (٣) القول بالنظرية إليه ، ولعلّ مراده الغزالي ، أنّه من باب نظريات العوامّ ، فإنّهم وإن استفادوها من المقدّمتين ، لكنّهم لم يتفطّنوا بهما ، بكيفيّتهما المترتّبة في نفس الأمر ، فكأنّ الغزالي قسّم النظري إلى قسمين بالنسبة إلى الناظرين ، وهو في الحقيقة تقسيم للناظرين لا للنظري ، فكأنّه قال : العالم والعامّيّ كلاهما مساويان في النظر فيما نحن فيه ؛ دون سائر النظريات.
__________________
(١) التفتازاني : (٧١٢ ـ ٧٩٣ ه) ، مسعود بن عمر بن عبد الله التفتازاني من فقهاء الشافعية الكبار تقدّم في النحو والصرف والمنطق والمعاني والبيان والأصول وفي كثير من العلوم. وقد حكي أنّه كان في ابتداء طلبه للعلم بعيد الفهم جدا ولم يكن في جماعة استاذه عضد الدين أبلد منه ، ومع ذلك كان كثير الاجتهاد ، ولم يؤيسه جمود فهمه من الطلب ، وكان استاذه يضرب به المثل في البلادة ، حتى برع في العلوم وأصبح يضرب به المثل في الجدّ ، وأكثر العلماء في الثناء عليه وكذا الفضلاء الذين وصفوه بأوصاف خاصة. ومن كتبه «حاشية على شرح عضد الدين على مختصر ابن الحاجب» في أصول الفقه ، و «التلويح في كشف حقائق التنقيح» وهو شرح على «التوضيح» لمتن «التنقيح في أصول الفقه» لصدر الشريعة المحبوبي ، وهما من أجلّ مصنفاته.
(٢) الأوّليات هي القضايا التي يحكم بصدقها العقل لا بمجرد ذلك بل بواسطة ، غاية الامر أنّ تلك الواسطة لا تغيب عن الذهن عند تصوّرها كقولنا : الأربعة زوج فإنّ من يتصوّر الأربعة والزوج تصوّر الانقسام بمتساويين في الحال وترتب في ذهنه أنّ الأربعة منقسمة بمتساويين ، وكل ما هو كذلك فهو زوج فهي قضية قياساتها معها.
(٣) ص ٢٢٢.