الثاني :
إنّهم بعد ما عرّفوا المتواتر بما نقلنا عنهم ، قالوا : إنّ هذا المعنى يتحقّق بأمور ، فيشترط في تحقّق هذا الخبر الذي يفيد العلم بنفسه أمور : منها ما يتعلّق بالمخبرين ، ومنها ما يتعلّق بالسّامع.
فأمّا الأوّل : فهو كون المخبرين بالغين في الكثرة حدّا يمتنع معه في العادة تواطؤهم على الكذب ، وكون علمهم مستندا إلى الحسّ ، فإنّه في مثل حدوث العالم لا يفيد قطعا ، واستواء الطرفين والواسطة (١) ، بمعنى أن يبلغ كلّ واحد من الطبقات حدّ الكثرة المذكورة ، وذلك فيما لو حصل هناك أكثر من طبقة ، وإلّا فلا واسطة ولا تعدّد في الطبقات.
وربّما زاد بعضهم اشتراط كون إخبارهم عن علم ، ولا دليل عليه (٢) ، بل يكفي حصول العلم من اجتماعهم وإن كان بعضهم ظانّين ، مع كون الباقين عالمين.
وأقول : الكثرة المذكورة التي اشترطوا هنا إن كانت مأخوذة في ماهيّة المتواتر ، فالتعريف مختلّ لعدم دلالته على ذلك ، إذ مع ملاحظة مدخليّة لوازم الخبر في حصول العلم وعدم ضرره في الحدّ ، فلا حاجة إلى الكثرة ، فإذا حصل العلم بخبر ثلاثة بسبب صدقهم وصلاحهم وثقتهم سيّما مع انضمام حال نفس الخبر ، فيحصل العلم ويصدق الحدّ على ذلك ، فيكفي ذلك في تحقّق التواتر ، وإن لم تكن مأخوذة في ماهيّته ، فما معنى قولهم : ويشترط في حصول التواتر وتحقّقه
__________________
(١) استواء الطرفين يعني طرفي السلسلة في النقل ، وأما الواسطة فيما لو كان هناك أكثر من طبقتين.
(٢) قال في الحاشية : الظاهر انّ هذا من تتمة كلام القائلين المذكورين ردّا للبعض المذكور.