الثاني (١) :
قوله تعالى : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ.)(٢)
وجه الدلالة أنّه تعالى أوجب الحذر عند إنذار الطوائف للأقوام ، وهو يتحقّق بإنذار كلّ طائفة من الطوائف لقومهم ، ولمّا لم يدلّ لفظ الفرقة على كونهم عدد التواتر ، فلفظ الطائفة أولى بعدم الدّلالة ، بل الظاهر أنّ الفرقة يطلق على الثّلاثة فيصدق الطائفة على الاثنين ، بل الواحد أيضا.
ولا يضرّ ضمير الجمع في قوله تعالى : (لِيَتَفَقَّهُوا) في شموله للواحد أيضا ، لأنّه عبارة عن الطوائف ، ولا يلزم من ذلك لزوم اعتبار الإنذار من جميع الطوائف ، لصدق حصوله بإنذار كلّ واحد منهم ، كلّ واحد من الأقوام ، ثمّ يصدق حصوله بملاحظة كلّ واحد منهم بالنسبة إلى قومهم. وكيف كان ، فالمقصود بيان حجّية خبر الواحد [في الجملة] ، لا حجّية مجرّد خبر رجل واحد ، مع أنّه لا قائل بالفرق في جانب المنع.
وأمّا دلالة الآية على وجوب الحذر ، فلأنّ التهديد المستفاد من كلمة (لو لا) (٣) يدلّ على وجوب النفر ، وتعليل النفر بالتفقّه يدلّ على وجوبه ، وكذا تعليله بالإنذار ، ومن المستبعد جدّا وجوب الإنذار وعدم وجوب إطاعة المستمع ، بل المتبادر وجوب الإطاعة للمنذرين.
__________________
(١) الوجه الثاني من الوجوه التي استدلّ بها. وهو أيضا استدل به صاحب «المعالم» ص ٣٤٣ ولكن جعله الوجه الأوّل.
(٢) التوبة : ١٢٢.
(٣) و (لو لا) من حروف التحضيض وكذا (لو ما) ويشاركها في التحضيض (هلّا) و (ألّا) و (ألا) ، كما في «شرح الألفية» للمكودي ولابن عقيل.