والمشهور في وجه الدّلالة ، أنّ كلمة لعلّ للترجّي ، وهو ممتنع على الله تعالى فلا بدّ من إخراجها عن ظاهرها ، وأقرب مجازاتها الطلب الذي هو في معنى الأمر الظاهر في الوجوب ، وهو فاسد لما بيّناه في مبحث الأمر (١).
وقيل : انّ أقرب مجازاتها مطلق الطلب ، ونحمله على الوجوب لأنّه لا معنى لندب الحذر وجوازه ، فإنّه إن حصل المقتضي له فيجب ، وإلّا فلا يحسن.
وردّ (٢) : بأنّ ندب الحذر لا معنى له إذا كان المقتضي موجودا قطعا أو ظنّا ، وأمّا مع احتمال وجود المقتضي ، فربّما كان الحذر مندوبا كالحذر عن الطهارة بالماء المشمّس مخافة حصول البرص.
أقول : نعم ، ولكن لا معنى لاستحباب الحذر هنا بمعنى أن يقال : يستحبّ الحذر عمّا أنذر به بخبر الواحد (٣) بمعنى العمل بمدلوله مطلقا ، فإنّه قد يكون خبر الواحد دالّا على الوجوب ، ولا معنى لاستحباب الحذر عن ترك العمل بهذا الخبر بأن يقال : يستحبّ أن يعمل بهذا الواجب. وكذلك لا يصحّ حمل الطلب على القدر المشترك بينهما ، بمعنى أنّه يجب العمل بخبر الطائفة إذا حصل منه القطع ، ويستحبّ إذا حصل منه الظنّ ، فإنّ معناه حينئذ استحباب الحذر عن الإنذار الظنّي الحاصل على سبيل الإيجاب.
وحاصل الكلام ، أنّ القول باستحباب العمل بخبر الواحد المفيد للوجوب مع بقاء الوجوب على معناه الحقيقي ، ممّا لا يتصوّر له معنى محصّل ، فإنّ استحباب
__________________
(١) من تسليم ظهور لفظ الأمر في الوجوب ومنع كون ما عداه من الألفاظ الدالّة على الطلب في معنى الأمر ليكون ظاهرا في الوجوب.
(٢) والرّاد هو سلطان المحققين في حاشية «المعالم» ص ٣٢٤.
(٣) وليس هذا المعنى كلام صاحب «المعالم» ، بل معناه يستحب العمل بغير الحجّة ، وهذا مما لا معنى له ؛ لأنّه نظير ما لو قيل يستحب فعل الحرام.