ذلك غالبا إلّا مثل من يتكلّف في جعل إحدى مقدّمتي قياسه قطعيّة مع كون الأخرى ظنّية ، فهل ينفعه ذلك في صيرورة النتيجة قطعية ، أو من يحصّل العلم في بعض أجزاء صلاته مثلا مع كون سائر الأجزاء ظنّية ، فهل ينفعه ذلك في صيرورة صلاته يقينية مع ملاحظة عدم كون الجزء مطلوبا بذاته وغير مفيد منفردا في نفسه. ولو فرض ثبوت حكم مستقلّ (١) من جهة الظّنون المعلومة الحجّية مستقلا من دون حاجة إلى غيرها ، فهو في غاية الندرة ، ونتكلّم فيما لا يمكن ذلك فيه مع ثبوت التكليف فيه يقينا. فثبت من جميع ذلك أنّه لا مناص من العمل بالظنّ ، إلّا ما أخرجه الدّليل ، كالقياس والاستحسان ونحوهما (٢).
فمن جميع ما ذكرنا ثبت حجّية خبر الواحد ، وهذا هو الدليل المعتمد في إثبات حجّيتها.
ثمّ قد ظهر لك ممّا حقّقنا المقام ، أنّه لا فرق بين مسائل أصول الفقه وفروعه في جواز البناء على الظنّ ، وأنّه لا دليل على اشتراط القطع في الأصول (٣).
نعم لا بدّ في إثبات حجّية ظنّ المجتهد من دليل قطعي ، وسنشير في موضعه أنّه من الأصول الكلامية لا الأصول الفقهية. وإذا صار ظنّه حجّة فلا فرق بين الأصول والفروع ، وسيجيء زيادة توضيح لهذا في مبحث الاجتهاد والتقليد.
فلنرجع إلى ذكر أدلّة النافين لحجّية خبر الواحد
وهو أيضا من وجهين :
أحدهما : هو الدّليل على حرمة العمل بالظنّ ، إلّا ما أثبته الدّليل حذوا (٤) لما
__________________
(١) أي حكم تام في نفسه ، وليس جزء حكم كما في الصلاة.
(٢) كالمصالح المرسلة. وبقية البدع المستحدثة والتي حدثت.
(٣) الأصول الفقهية.
(٤) الحذو والحذوة والحذوة الإزاء ، يقال داري حذاء داره أي إزاءها.