نفس الأصناف الباقية أقلّ (١). والمقصود هنا إخراج الصّنف ، يعني أفراد صنف خاصّ من حيث إنّها أفراد ذلك الصّنف الخاص. فظاهر الآية استثناء صنف من الأصناف لا أفراد من جميع الأفراد ، وأكثريّة الصّنف لا تستلزم أكثريّة الأفراد.
وبالجملة إذا لوحظ الصّنف الواحد بالنسبة الى العامّ القابل للأصناف ، فهو أقلّ من الباقي ، وإن فرض كونه بالنسبة الى الأفراد أكثر من الباقي ، وذلك يختلف باختلاف الحيثيّات والاعتبارات فيه أنّ عموم الجمع أفرادي لا أصنافي.
والذي يؤيّد ما ذكرنا (٢) ، انّ المقصد الأصليّ لله تعالى لمّا كان هو الهداية والرّشاد ، فجعل الغاوين مخرجا ، جعلا لما ليس موافقا للغرض الأصليّ ، كالقليل الذي لا يعتنى به ، وفي إبليس بالعكس ، بل ذلك المعنى إنّما يلاحظ بالنسبة الى قابلية العامّ ، لا فعلية تحقّق الأصناف فيه ، ففي كلّ واحد من الآيتين استثناء أقلّ من الأكثر.
ويوضّح ما بيّنا ، أن لو فرض أنّك أضفت جماعة من العلماء والشعراء والظرفاء ، وكان عدد كلّ واحد من العلماء والشعراء ثلاثة ، وعدد الظرفاء مائة ، فإذا قيل : جاء الأضياف إلّا الظرفاء فيمكن تصحيحه بما ذكرنا ، لأنّ الباقي حينئذ أكثر (٣). وأمّا لو قيل : جاء الأضياف إلّا زيدا وعمرا وبكرا وخالدا الى آخر المائة من الظرفاء لعدّ قبيحا.
__________________
(١) وقد أجاب على هذا الاعتراض في «الفصول» : ص ١٩٤.
(٢) من كون المراد من الآية اخراج صنف واحد من الأصناف المتصوّرة من ظاهر العام ، وان كان اطّراد ذلك الصنف المخرج بالنسبة الى سائر الأصناف أكثر ... الخ.
(٣) وهو أيضا تكملة للاعتراض والذي أجابه في «الفصول» راجعه.