أقول : والأظهر قبول أخبار الموثّقين منهم ، إذ لو قلنا بصدق العدالة مع فساد العقيدة وعدم إطلاق الفاسق عليهم ، فيدلّ على حجّية مفهوم الآية ، كما سيجيء ، وإن لم نقل بذلك وقلنا بكونهم فسّاقا لأجل عقائدهم ، فيدلّ على الحجّية منطوق الآية ، لأنّ التوثيق نوع من التثبّت ، سيّما مع ملاحظة العلّة المنصوصة. فإنّ التثبت (١) إنّما يحصل بتفحّص حال كلّ واحد من الأخبار ، أو تفحّص حال الرّجل في خبره ، فإذا حصل التثبّت في حال الرّجل وظهر أنّه لا يكذب في خبره ، فهذا تثبّت في خبره ، لاتّحاد الفائدة ، وإن أبيت عن ذلك (٢) مع ظهوره ، فالعلّة المنصوصة تكفي عن ذلك.
وأمّا على البناء على الدليل الخامس ، فالأمر واضح (٣).
وأمّا العدالة ، فهي في الأصل الاستقامة (٤) والاستواء ، فالكيفية الحاصلة من تعديل القوى النفسانية وكسر سورة كلّ منها بعد فعلها وانفعالها من الطّرفين ، بحيث يحصل شبه مزاج منها ، عدالة.
وأمّا القوّة العاقلة إذا اعتدلت بين طرفي إفراطها وهو الجربزة (٥) وتفريطها وهو البلادة ، تسمّى حكمة ، والقوّة الشّهوية إذا اعتدلت بين الشّره (٦) والخمود ،
__________________
(١) فإنّ التثبت في الخبر أعمّ من أن يكون بلا واسطة أو مع الواسطة.
(٢) عن أنّ التثبت في حال الرّجل تثبت في الخبر وداخل في منطوق الآية.
(٣) لأن الميزان حينئذ هو الظنّ الحاصل بأخبار هؤلاء أيضا.
(٤) وهي خلوص الشيء عن الانحراف والاعوجاج.
(٥) وهذا معنى آخر للعدالة ، وهو خلوص الشيء عن الميل الى الزّيادة والنقصان. قال في جمهرة اللغة : وليس الجربز من كلام العرب ، إنّما هو فارسي معرّب.
(٦) بفتح الشين المعجمة والرّاء المهملة مصدر شره ، اشتد ميله إليه.