أقول : وجه الاستبعاد أنّ الداعي على ترك المعصية قد يكون هو الخوف عن فضيحة الخلق ، وقد يكون لأجل إنكار الطبيعة لخصوص المعصية ، وقد يكون من أجل الخوف (١) عن الحاكم ، وقد يكون هو الخوف عن الله تعالى ، وهذا هو الذي يعتمد عليه في عدم حصول المعصية (٢) في السرّ والعلن ، بخلاف غيره (٣) ، فمن كان فاسقا بالجوارح ولا يبالي عن معصية الخالق ، فكيف يعتمد عليه في ترك الكذب.
والتحقيق أنّ إنكار حصول الظنّ مطلقا حينئذ (٤) لا وجه له ، كما نرى بالعيان أنّ كثيرا ممّن لا يجتنب عن أكل المال الحرام ، أنّه يهتمّ في الصلاة وترك الشرب والزّنا وغيرها. وكذلك كثيرا ممّن هو مبتلى بأنواع الفسوق أنّه لا يستخفّ بكتاب الله وسائر شعائره ، وكذلك الكذب خصوصا في الرّواية بالنسبة إلى الأئمّة عليهمالسلام ، كما هو ظاهر كلام الشيخ ، فمجرّد ظهور سائر الفسوق عمّن يعظم في نظره الكذب على الإمام عليهالسلام ، لا يوجب عدم حصول الظنّ بصدقه ، وكذلك إذا كان طبيعته مجبولة على الاجتناب عن الكذب.
نعم ، إن كان ترك الكذب محضا من جهة أنّ الشّارع منعه وأوعد عليه ، لا يحصل الظنّ به مع صدور ما هو أعظم منه ، ممّا يدلّ على عدم الاعتناء بوعيده تعالى ونواهيه ، فالأقوى إذن ما ذهب إليه الشيخ (٥) ، ويرجع هذا في الحقيقة إلى
__________________
(١) من جهة الضّرر.
(٢) بسبب ذلك الخوف.
(٣) من الوجوه السّابقة ، فإنّ غيره يوجب ترك المعصية في بعض الحالات دون بعضها.
(٤) أي حين الفسق بالجوارح.
(٥) من كفاية التحرّز.